وفعل ( كان ) يدل على وجود ما يسند إليه في زمن مضى، دون دلالة على استمرار، ولا على انقطاع، قال تعالى ﴿ وكان الله غفوراً رحيماً ﴾ [ النساء : ٩٦ ] أي وما زال، فمعنى ﴿ كنتم خير أمة ﴾ وجدتم على حالة الأخيرية على جميع الأمم، أي حصلت لكم هذه الأخيرية بحصول أسبابها ووسائلها، لأنّهم اتّصفوا بالإيمان، والدّعوة للإسلام، وإقامته على وجهه، والذبّ عنه النقصانَ والإضاعة لتحقّق أنّهم لمّا جُعل ذلك من واجبهم، وقد قام كُلّ بما استطاع، فقد تحقّق منهم القيام به، أو قد ظهر منهم العزم على امتثاله، كُلّما سنح سانح يقتضيه، فقد تحقّق أنهم خير أمَّة على الإجمال فأخبر عنهم بذلك.
هذا إذا بنَينا على كون الأمر في قوله آنفاً ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ [ آل عمران : ١٠٤ ] وما بعده من النهي في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا ﴾ [ آل عمران : ١٠٥ ] الآية، لم يكن حاصلاً عندهم من قبل.
ويجوز أن يكون المعنى :﴿ كنتم خير أمة ﴾ موصوفين بتلك الصّفات فيما مضى تفعلونها إمَّا من تلقاء أنفسكم، حرصاً على إقامة الدّين واستحساناً وتوفيقاً من الله في مصادفتكم لمرضاته ومراده، وإمّا بوجوب سابق حاصل من آيات أخرى مثل قوله :﴿ وتواصوا بالحق ﴾ [ العصر : ٣ ] وحينئذٍ فلمَّا أمرهم بذلك على سبيل الجزم، أثنى عليهم بأنَّهم لم يكونوا تاركيه من قبل، وهذا إذا بنَينا على أنّ الأمر في قوله ﴿ ولتكن منكم أمة ﴾ [ آل عمران : ١٠٤ ] تأكيداً لما كانوا يفعلونه، وإعلام بأنَّه واجب، أو بتأكيد وجوبه على الوجوه التي قدّمتها عند قوله ﴿ ولتكن منكم أمة ﴾.


الصفحة التالية
Icon