قوله تعالى :﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
قال الفخر :
والمعنى أن الله تعالى ما ظلمهم حيث لم يقبل نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث أتوا بها مقرونة بالوجوه المانعة من كونها مقبولة لله تعالى،
قال صاحب "الكشاف" : قرىء ﴿ولكن﴾ بالتشديد بمعنى ولكن أنفسهم يظلمونها، ولا يجوز أن يراد، ولكنه أنفسهم يظلمون على إسقاط ضمير الشأن، لأنه لا يجوز إلا في الشعر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٧١﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
والمثل : الشبه الذي يصير كالعلم ؛ لكثرة استعماله فيما يشبه به. و" ما " يجوز أن تكون موصولة اسمية وما بعدها محذوف لاستكمال الشروط أي " ينفقونه ". وحاصل الكلام أن كفرهم يبطل ثواب نفقتهم، كما أن الريح الباردة تهلك الزرع.
قوله :﴿ كَمَثَلِ رِيحٍ ﴾ خبر المبتدأ، وعلى هذا الظاهر - أعني : تشبيه الشيء المنفق بالريح - استشكل التشبيه ؛ لأن المعنى على تشبيهه بالحرث - أي : الزرع - لا بالريح، وقد أجيب عن ذلك بوجوه :
أحدها : أنه من باب التشبيه المركب، بمعنى أنه تقابل الهيئة المجتمعة بالهيئة المجتمعة، وليس تقابل الأفراد بالأفراد كما مر في أول سورة البقرة عند قوله تعالى :﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ﴾ وهذا اختيار الزمخشري.
ثانيها : أنه من باب التشبيه بين شيئين بشيئين، فذكر أحد المشبَّهين، وترك ذكر الآخر وذكر أحد المشبهين به، فقد حذف من كل اثنين ما يدل عليه نظيره، كما مر في قوله تعالى :﴿ وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ ﴾ [ البقرة : ١٧١ ]، وهو اختيار ابن عطية، قال :" وهذا غاية البلاغة والإعجاز ".


الصفحة التالية