ولما كان هذا قد يخفى بيَّنه بقوله معللاً :﴿قد بدت البغضاء من أفواههم﴾ أي هي بينة في حد ذاتها مع اجتهادهم في إخفائها، لأن الإنسان إذا امتلأ من شيء غلبه بفيضه، ولكنكم لحسن ظنكم وصفاء نياتكم لا تتأملونها فتأملوا.
ثم أخبر عن علمه سبحانه قطعاً وعلم الفطن من عباده بالقياس ظناً بقوله :﴿وما تخفي صدورهم أكبر﴾ مما ظهر على سبيل الغلبة.
ثم استأنف على طريق الإلهاب والتهييج قوله :﴿قد بيَّنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لكم﴾ أي بهذه الجمل ﴿الآيات﴾ أي الدالات على سعادة الدارين ومعرفة الشقي والسعيد والمخالف والمؤالف.
وزادهم إلهاباً بقوله :﴿إن كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿تعقلون﴾ ثم استانف الإخبار عن ملخص حالهم معهم فقال منبهاً أو مبدلاً الهاء من همزة الإنكار :﴿ها أنتم أولاء﴾ أي المؤمنون المسلمون المستسلمون ﴿تحبونهم﴾ أي لاغتراركم بإقرارهم بالإيمان لصفاء بواطنكم ﴿ولا﴾ أي والحال أنهم لا ﴿يحبونكم﴾ لمخالفتهم لكم في الدين، فإنهم كاذبون في إقرارهم بالإيمان ﴿وتؤمنون﴾ أي أنتم ﴿بالكتاب كله﴾ أي ويكفرون هم به كله، إما بالقصد الأول وإما بالإيمان بالبعض والكفر بالبعض ﴿وإذا لقوكم قالوا﴾ أي لكم ﴿آمنا﴾ لتغتروا بهم ﴿وإذا خلوا﴾ أي منكم، وصوّر شدة حنقهم بقوله :﴿عضّوا عليكم﴾ لما يرون من ائتلافكم وحسن أحوالكم ﴿الأنامل من الغيظ﴾ أي المفرط منكم، ومن جعل الهاء في ﴿ها أنتم﴾ بدلاً عن همزة الاستفهام فالمراد عنده : أأنتم يا هؤلاء القرباء مني تحبونهم والحال أنهم على ما هم عليه من منابذتكم وأنتم على ما أنتم عليه من الفطنة بصفاء الأفكار وعليّ الآراء بقبولكم الحق كله، لأن المؤمن كيس فطن ؛ فهو استفهام - وإن كان من وادي التوبيخ - المراد به التنبيه والتهييج المنقل من سافل الدركات إلى عالي الدرجات - والله الموفق.