ووضعت هذه الجملة بين المتعاطفات ليظهر أنّ المراد من الأمر هو الأمر الدائر بين هذه الأحوال الأربعة من أحوال المشركين، أي ليس لك من أمر هذه الأحوال الأربعة شيء ولكنّه موكول إلى الله، هو أعلم بما سيصيرون إليه وجَعل هذه الجملة قبل قوله :﴿ أو يتوب عليهم ﴾ استئناس للنَّبيء ﷺ إذ قُدّم ما يدلّ على الانتقام منهم لأجله، ثُمّ أردف بما يدلّ على العفو عنهم، ثُمّ أردف بما يدلّ على عقابهم، ففي بعض هذه الأحوال إرضاء له من جانب الانتصار له، وفي بعضها إرضاء له من جانب تطويعهم له.
ولأجل هذا المقصد عاد الكلام إلى بقية عقوبات المشركين بقوله تعالى :﴿ أو يعذبهم ﴾.
ولكون التَّذكير بيوم بدر وقع في خلال الإشارة إلى وقعة أحُد، كأنّ في هذا التَّقسيم إيماء إلى ما يصلح بياناً لِحكمة الهزيمة اللاحقة المسلمين يوم أحُد، إذ كان في استبقاء كثير من المشركين، لم يصبهم القتلُ يومئذ، ادّخار فريق عظيم منهم للإسلام فيما بعد، بَعْد أن حصل رعبهم من المسلمين بوقعة بدر، وإن حسِبوا للمسلمين أي حساب بما شاهدوه من شجاعتهم يوم أحُد، وإن لم ينتصروا.
ولا يستقيم أن يكون قوله :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ متعلّقاً بأحوال يوم أحُد : لأنّ سياق الكلام ينبو عنه، وحال المشركين يوم أحُد لا يناسبه قولُه :﴿ ليقطع طرفاً من الذين كفروا ﴾ إلى قوله :﴿ خائبين ﴾.
ووقع في "صَحِيح مسلم"، عن أنس بن مالك : أنّ النَّبيء ﷺ شُجّ وجهه، وكُسرت رباعيته يوم أحُد، وجاء المسلمون يمسحون الدم عن وجه نبيّهم، فقال النَّبيء عليْه السَّلام :" كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم " أي في حال أنَّه يدعوهم إلى الخير عند ربّهم، فنزلت الآية، ومعناه : لا تستبْعِد فلاحهم.