ولا شكّ أن قوله فنزلت هذه الآية مُتأوّل على إرادة : فذُكِّر النَّبيء ﷺ بهذه الآية، لظهور أن ما ذكروه غير صالح لأن يكون سبباً لأنّ النَّبيء تعجّب من فلاحهم أو استبعده، ولم يدّع لنفسه شيئاً، أو عملاً، حتَّى يقال :"ليس لك من الأمر شيء".
وروى الترمذي : أنّ النَّبيء ﷺ دعا على أربعة من المشركين، وسمّى أناساً، فنزلت هذه الآية لنهيه عن ذلك، ثُمّ أسلموا.
وقيل : إنَّه همّ بالدعاء، أو استأذن الله أن يدعو عليهم بالاستيصال، فنهى.
ويردّ هذه الوجوه ما في "صحيح مسلم"، عن ابن مسعود، قال : كأنِّي أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكي نبيئاً من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه، وهو يقول : ربّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون.
وورد أنَّه لمَّا شجّ وجهه يوم أحُد قال له أصحابه : لو دعوت عليهم، فقال : إنِّي لم أبعث لَعَّاناً، ولكِنِّي بعثت داعياً ورحمة، اللَّهُمّ اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون.
وما ثبت من خُلقه ﷺ أنَّه كان لا ينتقم لنفسه.
وأغرَبَ جماعة فقالوا نزل قوله :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ نسخاً لما كان يدعو به النَّبيء ﷺ في قنوته على رِعْل، وذكْوان، وعُصية، ولِحْيان، الَّذين قتلوا أصحاب بئر معونة، وسندهم في ذلك ما وقع في "البخاري" أنّ النَّبيء ﷺ لم يزل يدعو عليهم، حتَّى أنزل الله :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾.
قال ابن عطية : وهذا كلام ضعيف كله وليس هذا من مواضع الناسخ والمنسوخ.
وكيف يصحّ أن تكون نزلت لنسخ ذلك وهي متوسطة بين علل النَّصر الواقع يوم بدر.