وَمَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ وَقَالَ لَهُمْ :" مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ - قُرْبٍ - لَا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ " ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرَّةِ قَوْمِهِ بَنِي حَارِثَةَ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ - وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ - فَلَمَّا سَمِعَ حِسَّ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ قَامَ يَحْثُو فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُ : إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ فَلَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ : وَاللهِ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَكَ، فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ عِلْمِ النَّبِيِّ بِفَنِّ الْحَرْبِ : الْإِرْشَادُ إِلَى اخْتِيَارِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إِلَى الْعَدُوِّ وَأَخْفَاهَا عَنْهُ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِخُرْتِ الْأَرْضِ الَّذِي يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِعِلْمِ الْجُغْرَافِيَةِ. وَإِبَاحَةُ الْمُرُورِ فِي مِلْكِ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ لِتَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ. وَفِيهَا مِنْ رَحْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -


الصفحة التالية
Icon