وأكَبّت الحجارة على رسول الله ﷺ حتى سقط في حفرة، كان أبو عامر الرّاهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخرّ عليه السلام على جنبه واحتضنه طلحة حتى قام، ومَصّ مالك بن سِنان والد أبي سعيد الخدرِيّ من جُرح رسول الله ﷺ الدّم، وتشبّثت حلقتان من دِرع المِغفَر في وجهه ﷺ فانتزعهما أبو عبيدة بن الجرّاح وعَضّ عليهما بِثَنِيتيه فسقطتا ؛ فكان أهْتَم يزينه هَتَمُه رضي الله عنه.
وفي هذه الغزاة قُتل حمزةُ رضي الله عنه، قتله وحشِي، وكان وَحْشِيّ مملوكاً لجبير بن مُطْعِم.
وقد كان جبير قال له : إن قتلت محمداً جعلنا لك أعِنّة الخيل، وإن أنت قتلت عليّ بن أبي طالب جعلنا لك مائة ناقة كلُّها سُود الحَدَق، وإن أنت قتلت حمزة فأنت حُرٌّ.
فقال وحشِيّ : أما محمد فعليه حافظٌ من الله لا يخلُص إليه أحدٌ.
وأما عليّ ما برز إليه أحد إلاّ قتله.
وأما حمزة فرجل شجاع، وعسى أن أُصادفه فأقتله.
وكانت هِنْد كلما تهيّأ وَحْشِيٌ أو مرّت به قالت : إيْهاً أبا دَسَمَة اشف واستشف.
فكَمِن له خلف صَخْرة، وكان حمزة حمل على القوم من المشركين ؛ فلما رجع من حملته ومرّ بوحشِيّ زَرَقه بالمِزْرَاق فأصابه فسقط مَيِّتاً، رحمه الله ورضي عنه.
قال ابن إسحاق : فبقرت هِنْدٌ عن كبد حمزة فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مُشْرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت :
نحنُ جَزَيْناكم بيَوْم بَدْر...
والحربُ بعد الحرب ذاتُ سُعْرِ
ما كان عن عُتْبَة لي من صَبْرٍ...
ولا أخِي وعَمِّه وبَكْري
شفَيْتُ نفسي وقضَيْتُ نَذْرِي...
شفيتَ وَحْشِيُّ غلَيلَ صَدْرِي
فشكْرُ وحْشِي عليّ عَمْرِي...
حتى تَرِمّ أعْظُمِي في قَبْرِي
فأجابتها هِنْدُ بنت أُثَاثة بن عَبّاد بن عبد المطلب فقالت :