والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق ولم يدق، وما ضاق عرضه دق. فجعل العرض كناية عن السعة. وسئل ههنا إنكم تقولون الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء؟ وأجيب بعد تسليم كونها الآن مخلوقة أنها فوق السموات وتحت العرش. قال ﷺ في صفة الفردوس " سقفها عرش الرحمن " وروي أن رسول هرقل سأل النبي ﷺ وقال : إنك تدعو الجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال النبي ﷺ " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار " والمعنى - والله ورسوله أعلم - أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل. وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء؟ فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل : فأين هي؟ قال : فوق السموات السبع تحت العرش. ثم ذكر صفات المتقين حتى يتمكن الإنسان من الجنة بواسطة اكتساب تلك الصفات. منها قوله :﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء ﴾ في حال الغنى والفقر لا يخلون بأن ينفقوا ما قدروا عليه. عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة. وعن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب فكان الفقير أنكر عليها فقالت : احسب كم هي من مثقال ذرة. وقيل : في عرس أو حبس. والمراد في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة، فهم لا يدعون الإحسان إلى الناس في حالتي فرح وحزن. وقيل : إن ذلك الإحسان والإنفاق سواء سرهم بأن كان على وفق طبعهم، أو ساءهم بأن كان مخالفاً له، فإنهم لا يتركونه. وفي افتتاحه بذكر الإنفاق دليل على عظم وقعه عند الله لأنه طاعة شاقة أو لأنه كان أهم في ذلك الوقت لأجل الحاجة إليه في الجهاد ومواساة فقراء المسلمين. ومنها قوله ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ كظم القربة إذا ملأها وشد فاها. ويقال : كظم غيظه إذا سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل كأنه كتمه على امتلائه، ورد غيظه في


الصفحة التالية