من فوائد ابن عاشور فى الآيتين
قال رحمه الله :
قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ﴿ سارعوا ﴾ دون واو عطف.
تتنزّل جملة ﴿ سارعوا﴾ منزلة البيان، أو بدل الاشتمال، لِجملة ﴿ وأطيعوا الله والرسول ﴾ لأنّ طاعة الله والرّسول مسارعة إلى المغفرة والجنَّة فلذلك فُصلت.
ولكون الأمر بالمسارعة إلى المغفرة والجنّة يؤول إلى الأمر بالأعمال الصّالحة جاز عطف الجملة على الجملة الأمر بالطّاعة، فلذلك قرأ بقية العشرة ﴿ وسارعوا ﴾.
بالعطف وفي هذه الآية ما ينبئنا بأنَّه يجوز الفصل والوصل في بعض الجمل باعتبارين.
والسرعة المشتقّ منها سارعوا مجاز في الحرص والمنافسة والفور إلى عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة والجنة، ويَجوز أن تكون السرعة حقيقة، وهي سرعة الخروج إلى الجهاد عند النفير كقوله في الحديث :" وإذا استُنْفِرْتُمْ فانفِرُوا ".
والمسارعة، على التقادير كلّها تتعلّق بأسباب المغفرة وأسباب دخول الجنة، فتعليقها بذات المغفرة والجنة من تعليق الأحكام بالذوات على إرادة أحوالها عند ظهور عدم الفائدة في التعلّق بالذات.
وجيء بصيغة المفاعلة، مجرّدة عن معنى حصول الفعل من جانبين، قصد المبالغة في طلب الإسراع، والعرب تأتي بما يدلّ في الوضع على تكرّر الفعل وهم يريدون التأكيد والمبالغة دون التكرير، ونظيره التثنية في قولهم : لبيك وسعديك، وقوله تعالى :﴿ ثم ارجع البصر كرتين ﴾ [ الملك : ٤ ].
وتنكير ( مغفرة ] ووصلها بقوله :﴿ من ربكم ﴾ مع تأتّي الإضافة بأن يقال إلى مغفرة ربّكم، لقصد الدّلالة على التَّعظيم، ووصف الجنة بأنّ عرضها السماوات والأرض على طريقة التشبيه البليغ، بدليل التَّصريح بحرف التَّشبيه في نظيرتها في آية سورة الحديد.