وكظم الغيظ إمساكه وإخفاؤه حتَّى لا يظهر عليه، وهو مأخوذ من كظم القربة إذا ملأها وأمسك فمها، قال المبرّد : فهو تمثيل للإمساك مع الامتلاء، ولا شكّ أن أقوى القوى تأثيراً على النَّفس القوّة الغاضبة فتشتهي إظهار آثار الغضب، فإذا استطاع إمساكَ مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلّ ذلك على عزيمة راسخة في النَّفس، وقهرِ الإرادةِ للشهوة، وهذا من أكبر قوى الأخلاق الفاضلة.
الصفّة الثالثة : العفو عن النَّاس فيما أساؤوا به إليهم.
وهي تكملة لصفة كظم الغيظ بمنزلة الاحتراس لأنّ كظم الغيظ قد تعترضه ندامة فيستعدي على من غاظه بالحقّ، فلمَّا وصفوا بالعفو عمّن أساء إليهم دلّ ذلك على أنّ كظم الغيظ وصف متأصّل فيهم، مستمرّ معهم.
وإذا اجتمعت هذه الصفّات في نفسسٍ سهل ما دونها لديها.
وبجماعها يجتمع كمال الإحسان ولذلك ذيل الله تعالى ذكرها بقوله :﴿ والله يحب المحسنين ﴾ لأنه دال على تقدير أنهم بهذه الصفات محسنون والله يحبّ المحسنين. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٢٠ ـ ٢٢٢﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآيتين
قال عليه الرحمة :
معناه سارعوا إلى علم يوجب لكم المغفرة، فتقسمت القلوب وتوهمت أن ذلك أمرٌ شديد فقال ﷺ :" الندم توبة " وإنما توجب المغفرةَ التوبةُ لأن العاصي هو الذي يحتاج إلى الغفران.
والناس في المسارعة على أقسام : فالعابدون يسارعون بقَدَمِهم في الطاعات، والعارفون يسارعون بهممهم في القربات، والعاصون يسارعون بندمهم بتجرُّع الحسرات. فَمَنْ سارع بِقَدَمِه وجد مثوبته، ومن سارع بهممه وجد قربته، ومن سارع بندمه وجد رحمته.