وفيه دليلٌ على صحة التوبة بعد نَقْضها بمُعاوَدة الذّنب ؛ لأن التوبة الأُولى طاعةٌ وقد انقضت وصحَّتْ، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أُخرى مستأنفة، والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه ؛ لأنه أضاف إلى الذنب نقض التوبة، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها ؛ لأنه أضاف إليها ملازمة الإلْحَاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذنوب سواه.
وقوله في آخر الحديث "اعمل ما شئت" أمرٌ معناه الإكرام في أحد الأقوال ؛ فيكون من باب قوله :﴿ ادخلوها بِسَلامٍ ﴾ [ الحجر : ٤٦ ].
وآخر الكلام خَبرٌ عن حال المخاطب بأنه مغفور له ما سلف من ذنبه، ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من شأنه.
ودلّت الآية والحديثُ على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه، قال ﷺ :" إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه " أخرجاه في الصحيحين.
وقال :
يستوجبُ العفوَ الفتى إذَا اعتَرفْ...
بما جَنَى من الذنوب واقترفْ
وقال آخر :
أقرِرْ بذنبك ثم اطلُبْ تجاوُزَه...
إن الجُحُودَ جُحُودَ الذّنْب ذنبان
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :" والذي نفسي بيده لو لم تُذْنِبُوا لذهب الله بكم ولَجَاء بقوم يُذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " وهذه فائدة اسم الله تعالى الغفّار والتوّاب، على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢١٢ ـ ٢١٣﴾
فائدة
قال أبو حيان نقلا عن الزمخشرى :
وفي هذه الآيات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون، وتائبون، ومصرّون.
وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه انتهى كلامه.