ثم إن في هذه الآيات على ما ذهب إليه المعظم دلالة على أن المؤمنين ثلاث طبقات، متقين وتائبين ومصرين، وعلى أن غير المصرين تغفر ذنوبهم ويدخلون الجنة، وأما أنها تدل على أن المصرين لا تغفر ذنوبهم ولا يدخلون الجنة كما زعمه البعض فلا ؟ لأن السكوت عن الحكم ليس بياناً لحكمهم عند بعض ودالّ على المخالفة عند آخرين وكفى في تحققها أنهم مترددون بين الخوف والرجاء وأنهم لا يخلون عن تعنيف أقله تعييرهم بما أذنبوه مفصلا ويا له من فضيحة وهذا ما لا بد منه على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وحينئذ لم يتم لهم المغفرة الكاملة كما للتائبين على أن مقتضى ما في الآيات أن الجنة لا تكون جزاء للمصر ؛ وكذلك المغفرة أما نفي التفضل بهما فلا، وهذا على أصل المعتزلة واضح للفرق بين الجزاء والتفضل وجوباً وعدم وجوب، وأما على أصل أهل السنة فكذلك لأن التفضل قسمان : قسم مترتب على العمل ترتب الشبع على الأكل يسمى أجراً وجزاءاً وقسم لا يترتب على العمل فمنه ما هو تتميم للأجر كماً أو كيفاً كما وعده من الاضعاف وغير ذلك، ومنه ما هو محض التفضل حقيقة واسماً كالعفو عن أصحاب الكبائر ورؤية الله تعالى في دار القرار وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى قاله بعض المحققين، وذكر العلامة الطيبي أن قوله تعالى :﴿ واتقوا النار التى أُعِدَّتْ للكافرين ﴾ [ آل عمران : ١٣١ ] وردت خطاباً لآكلي الربا من المؤمنين وردعاً لهم عن الإصرار على ما يؤديهم إلى دركات الهالكين من الكافرين وتحريضاً على التوبة والمسارعة إلى نيل الدرجات مع الفائزين من المتقين والتائبين، فإدراج المصرين في هذا المقام بعيد المرمى لأنه إغراء وتشجيع على الذنب لا زجر ولا ترهيب فبين بالآيات معنى المتقين للترغيب والترهيب ومزيد تصوير مقامات الأولياء ومراتبهم ليكون حثاً لهم على