من فوائد العلامة أبى السعود فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ أولئك ﴾ إشارةٌ إلى المذكورين آخِراً باعتبار اتصافِهم بما مرَّ من الصفات الحميدةِ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببعيد منزلتِهم وعلوِّ طبقتِهم في الفضل، وهو مبتدأٌ وقوله تعالى :﴿ جَزَآؤُهُمْ ﴾ بدلُ اشتمالٍ منه وقوله تعالى :﴿ مَغْفِرَةٌ ﴾ خبرٌ له أو جزاؤهم مبتدأٌ ثانٍ ومغفرةٌ خبر له، والجملةُ خبرٌ لأولئك، وهذه الجملةُ خبر لقوله تعالى ﴿ والذين إِذَا فَعَلُواْ ﴾ الخ على الوجه الأولِ وهو الأظهرُ الأنسبُ بنظم المغفرةِ المنبئةِ عن سابقة الذنبِ في سلك الجزاءِ، إذ على الوجهين يكون قولُه تعالى :﴿ أولئك ﴾ الخ جملةً مستأنفةً مبينةً لما قبلها كاشفةً عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين، ولم يُذكَرْ من أوصاف الأولين ما فيه شائبةُ الذنبِ حتى يُذكَرَ في مطلَع الجزاءِ الشاملِ لهما المغفرةُ، وتخصيصُ الإشارةِ بالآخِرين مع اشتراكهما في حكم إعدادِ الجنةِ لهما تعسُّفٌ ظاهر ﴿ مّن رَّبّهِمُ ﴾ متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لمغفرةٌ مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنةٌ من جهته تعالى. والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحُكمِ والتشريفِ ﴿ وجنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار ﴾ عطفٌ على مغفرةٌ، والتنكيرُ المُشعِرُ بكونها أدنى من الجنة السابقةِ مما يؤيد رُجحانَ الوجهِ الأول ﴿ خالدين فِيهَا ﴾ حالٌ مقدّرةٌ من الضمير في جزاؤهم لأنه مفعولٌ به في المعنى لأنه في قوة يجزيهم الله جناتٌ خالدين فيها، ولا مَساغَ لأن يكون حالاً من جناتٌ في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لبرز الضمير.
﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين ﴾ المخصوصُ بالمدح محذوفٌ أي ونعم أجرُ العاملين ذلك، أي ما ذُكر من المغفرة والجناتِ، والتعبيرُ عنهما بالأجر المشعرِ بأنهما يُستحقان بمقابلة العمل وإن كان بطريق التفضُّل لمزيد الترغيبِ في الطاعات والزجرِ عن المعاصي، والجملةُ تذييلٌ مختصٌّ بالتائبين حسبَ اختصاصِ التذييلِ السابقِ بالأولين وناهيك مضمونُهما دليلاً على ما بين الفريقين من التفاوت النيِّرِ والتبايُنِ البيِّن، شتانَ بين المحسنين الفائزين بمحبة الله عز وجل وبين العاملين الحائزين لأُجرتهم وعمالتِهم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ٨٧﴾.


الصفحة التالية
Icon