فصل
قال ابن عاشور :
ومعنى ﴿ خلت ﴾ مضت وانقرضت كقوله :﴿ قد خلت من قبلكم سنن ﴾ [ آل عمران : ١٣٧ ] وقول امرىء القيس :( مَن كان في العصر الخالي ) وقَصر محمداً على وصف الرسالة قَصْرَ موصوف على الصفة.
قصراً إضافياً، لردّ ما يخالف ذلك ردّ إنكار، سواء كان قصر قلب أو قصر إفراد.
والظاهر أنّ جملة ﴿ قد خلت من قبله الرسل ﴾ صفة "لرسول"، فتكون هي محطّ القصر : أي ما هو إلاّ رسول موصوف بخلوّ الرسل قبله أي انقراضهم.
وهذا الكلام مسوق لردّ اعتقاد من يعتقد انتفاء خلوّ الرسلِ مِن قبله، وهذا الاعتقاد وإن لم يكن حاصلاً لأحد من المخاطبين، إلاّ أنَّهم لمّا صدر عنهم ما من شأنه أن يكون أثراً لهذا الاعتقاد، وهو عزمهم على ترك نصرة الدّين والاستسلام للعدوّ كانوا أحرياء بأن ينزلوا منزلة من يعتقد انتفاء خلوّ الرسل مِن قبله، حيث يجدون أتباعهم ثابتين على مللهم حتّى الآن فكان حال المخاطبين حال من يتوهّم التلازم بين بقاء الملّة وبقاء رسولها، فيستدلّ بدوام الملّة على دوام رسولها، فإذا هلك رسول ملّة ظنّوا انتهاء شرعه وإبطال اتّباعه.