فالقصر على هذا الوجه قصر قلب، وهو قلب اعتقادهم لوازم ضدّ الصّفة المقصور عليها، وهي خلوّ الرسل قبله، وتلك اللوازم هي الوهَن والتردّد في الاستمرار على نشر دعوة الإسلام، وبهذا يشعر كلام صاحب "الكشّاف".
وجعَل السكاكي المقصور عليه هو وصف الرسالة فيكون محطّ القصر هو قوله :"رسول" دون قوله :﴿ قد خلت من قبله الرسل ﴾ ويكون القصر قصرَ إفْراد بتنزيل المخاطبين منزلة من اعتقد وصفه بالرسالة مع التنزّه عن الهلاك، حين رتَّبوا على ظنّ موته ظنوناً لا يفرضها إلاّ من يعتقد عصمته من الموت، ويكون قوله :﴿ قد خلت من قبله الرسل ﴾ على هذا الوجه استئنافاً لا صفة، وهو بعيد، لأنّ المخاطبين لم يصدر منهم ما يقتضي استبعاد خبر موته، بل هم ظنّوه صدقاً.
وعلى كلا الوجهين فقد نُزّل المخاطبون منزلَة من يَجهل قصر الموصوف على هذه الصفة وينكره، فلذلك خوطبوا بطريق النَّفي والاستثناء، الَّذي كثر استعماله في خطاب من يجهل الحكم المقصورَ عليه وينكره دون طريق، إنَّما كما بيّنه صاحب "المفتاح". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٣٧ ـ ٢٣٨﴾
قوله تعالى :﴿أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾
فصل
قال الفخر :
حرف الاستفهام دخل على الشرط وهو في الحقيقة داخل على الجزاء، والمعنى أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد أو قتل، ونظيره قوله : هل زيد قائم، فأنت إنما تستخبر عن قيامه، إلا أنك أدخلت هل على الاسم والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٨﴾