الثالث : أن يكون الإذن هو التخلية والإطلاق وترك المنع بالقهر والإجبار، وبه فسر قوله تعالى :﴿وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ [ البقرة : ١٠٢ ] أي بتخليته فإنه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر، فيكون المعنى : ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله بتخلي الله بين القاتل والمقتول، ولكنه تعالى يحفظ نبيه ويجعل من بين يديه ومن خلفه رصداً ليتم على يديه بلاغ ما أرسله به، ولا يخلي بين أحد وبين قتله حتى ينتهي إلى الاجل الذي كتبه الله له، فلا تنكسروا بعد ذلك في غزواتكم بأن يرجف مرجف أن محمداً قد قتل.
الرابع : أن يكون الإذن بمعنى العلم ومعناه أن نفسا لن تموت إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه، وإذا جاء ذلك الوقت لزم الموت، كما قال ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [ النحل : ٦١ ] الخامس : قال ابن عباس : الإذن هو قضاء الله وقدره، فإنه لا يحدث شيء إلا بمشيئته وارادته فيجعل ذلك على سبيل التمثيل، كأنه فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الله. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ٢٠﴾
فائدة
قال الفخر :
قال الأخفش والزجاج : اللام في ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ﴾ معناها النفي، والتقدير وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٠﴾
فصل
قال ابن عاشور :
﴿ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كتابا مُّؤَجَّلاً ﴾.
جملة معترضة، والواو اعتراضية.
فإن كانت من تتمة الإنكار على هلعهم عند ظنّ موت الرسول، فالمقصود عموم الأنفس لا خصوص نفس الرسول عليه السلام، وتكون الآية لوماً للمسلمين على ذهولهم عن حفظ الله رسولَه من أن يسلّط عليه أعداؤُه، ومن أن يخترم عمره قبل تبليغ الرسالة.