وعظوا به قبل قص القصة، ولا ريب أن في مدح من سواهم تهييجاً زائداً لانبعاث نفوسهم وتحرك هممهم وتنبيه نشاطهم وثوران عزائمهم غيرة منهم أن يكون أحد - وهم خير أمة أخرجت للناس - أعلى همة وأقوى عزيمة وأشد شكيمة وأصلب عوداً واثبت عموداً وأربط جأشاً وأذكر لله وأرغب فيما عنده وأزهد فيما أعرض عنه منهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٦٤ ـ ١٦٥﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما شرح طريقة الربيين في الصبر، وطريقتهم في الدعاء ذكر أيضا ما ضمن لهم في مقابلة ذلك في الدنيا والآخرة فقال :﴿فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٤﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿فآتاهم الله﴾ يقتضي أنه تعالى أعطاهم الأمرين،
أما ثواب الدنيا فهو النصرة والغنيمة وقهر العدو والثناء الجميل، وانشراح الصدر بنور الإيمان وزوال ظلمات الشبهات وكفارة المعاصي والسيئات،
وأما ثواب الآخرة فلا شك أنه هو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وأنواع السرور والتعظيم، وذلك غير حاصل في الحال، فيكون المراد أنه تعالى حكم لهم بحصولها في الآخرة، فأقام حكم الله بذلك مقام نفس الحصول، كما أن الكذب في وعد الله والظلم في عدله محال، أو يحمل قوله :﴿فآتاهم﴾ على أنه سيؤتيهم على قياس قوله :﴿أتى أَمْر الله﴾ [ النحل : ١ ] أي سيأتي أمر الله.
قال القاضي : ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداء، وقد أخبر الله تعالى عن بعضهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فيكون حال هؤلاء الربيين أيضاً كذلك، فإنه تعالى في حال إنزال هذه الآية كان قد آتاهم حسن ثواب الآخرة في جنان السماء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٤﴾


الصفحة التالية
Icon