ومنه قوله تعالى :﴿ فقد كذّبوكم بما تقولون ﴾ [ الفرقان : ١٩ ] وقوله في سورة الروم ( ٥٦ ) :﴿ فهذا يوم البعث ﴾
﴿ وجملة وأنتم تنظرون ﴾ حال مؤكّدة لمعنى ﴿ رأيتُموه ﴾، أو هو تفريع أي : رأيتم الموت وكان حظّكم من ذلك النظر، دون الغَناء في وقت الخطر، فأنتم مبهوتون.
ومحلّ الموعظة من الآية : أنّ المرء لا يطلب أمراً حَتَّى يفكِّر في عواقبه، ويسبر مقدار تحمّله لمصائبه.
ومحلّ المعذرة في قوله :﴿ من قبل أن تلقوه ﴾ وقوله :﴿ فقد رأيتموه ﴾ ومحلّ الملام في قوله :﴿ وأنتم تنظرون ﴾.
ويحتمل أن يكون قوله :﴿ تمنون الموت ﴾ بمعنى تتمنَّوْن موت الشهادة في سبيل الله فقد رأيتم مشارفة الموت إياكم، وأنتم تنظرون من مات من إخوانكم، أي فكيف وجدتم أنفسكم حين رأيتم الموت، وكأنَّه تعريض بهم بأنَّهم ليسوا بمقام من يتمنّى الشهادة.
إذ قد جبنوا وقت الحاجة، وخفّوا إلى الغنيمة، فالكلام ملام محض على هذا، وليس تمنّي الشهادة بملوم عليه، ولكن اللَّوم على تمنّي ما لا يستطيع كما قيل :( إذا لم تستطع شيئاً فدعه ).
كيف وقد قال رسول الله ﷺ " ولوددت أنّي أقتل في سبيل الله، ثُمّ أُحيا ثُمّ أقتل ثمّ أحيا، ثمّ أقْتل " وقال عمر :" اللَّهم إنّي أسألك شهادة في سبيلك" وقال ابن رواحة :
لكنّني أسأل الرّحمانَ مغفرة...
وضربةً ذات فرغ تقذِف الزبدا
حتَّى يقولوا إذا مَرّوا على جَدثي...
أرشدَك الله من غازٍ وقد رشدا
وعلى هذا الاحتمال فالضّمير راجع إلى الموت، بمعنى أسبابه، تنزيلاً لرؤية أسبابه منزلة رؤيته، وهو كالاستخدام، وعندي أنَّه أقرب من الاستخدام لأنَّه عاد إلى أسباب الموت باعتبار تنزيلها منزلة الموت. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٣٥ ـ ٢٣٧﴾


الصفحة التالية
Icon