وقال ابن كثير :
وقوله :﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ أي : قد كنتم -أيها المؤمنون-قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونَكم فقاتلوا وصابروا.
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال :"لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا الله الْعَافِيَةَ، فَإذَا لقيتموهم فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ". (١)
ولهذا قال :﴿ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ ﴾ يعني : الموت شاهدتموه في لَمَعان السيوف وحدّ الأسِنّة واشتباك الرِّماح، وصفوف الرجال للقتال.
والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخْييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تَتَخَيل الشاة صداقة الكبش وعداوة الذئب. أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ٢ صـ ١٢٧﴾
سؤال : فإن قلت : كيف يجوز تمني الشهادة وفي تمنيها تمني غلبة الكافر المسلم ؟
قلت : قصد متمني الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لا غير، ولا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن، كما أن من يشرب دواء الطبيب النصراني قاصد إلى حصول المأمول من الشفاء، ولا يخطر بباله أنّ فيه جرّ منفعة وإحسان إلى عدوّ الله وتنفيقا لصناعته.
ولقد قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين نهض إلى مؤتة وقيل له ردكم الله :
لكِنَّني أَسْألُ الرَّحْمنَ مَغْفِرَةً...
وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أو طَعْنَةً بِيَدي حَرَّانَ مُجْهِزَةً...
بِحَرْبَةَ تَنفُذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثي... أرشدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَد رَشَدا. أ هـ ﴿الكشاف حـ ١ صـ ٤٢١﴾

____
(١) صحيح البخاري معلقا برقم (٣٠٢١) وصحيح مسلم برقم (١٧٤١)


الصفحة التالية