وأما المؤمن الذى رسخ في قلبه الإيمان فما تظهر منه من الطاعات والعبادات وكذا الحوادث التى تستقبله فيظهر منه عندها ذلك ينطبق عليها مفهوم التوفيق والولاية الإلهية والهداية بالمعنى الأخص نوع انطباق قال تعالى ﴿والله يؤيد بنصره من يشاء : آل عمران - ١٣﴾ وقال ﴿والله ولى المؤمنين : آل عمران - ٦٨﴾ وقال ﴿الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور : البقرة - ﴾٢٥٧ وقال ﴿يهديهم ربهم بإيمانهم : يونس - ٩﴾ وقال ﴿أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس : الأنعام - ١٢٢﴾ هذا إذا نسبت هذه الأمور إلى الله سبحانه، وأما إذا نسبت إلى الملائكة فتسمى تأييدا وتسديدا منهم قال تعالى ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه : المجادلة - ٢٢﴾.
ثم إنه كما أن الهداية العامة تصاحب الأشياء من بدء كونها إلى آخر أحيان وجودها ما دامت سالكة سبيل الرجوع إلى الله سبحانه كذلك المقادير تدفعها من ورائها كما هو ظاهر قوله تعالى ﴿والذى قدر فهدى : الأعلى - ٣﴾ فإن المقادير التى تحملها العلل والأسباب المحتفة بوجود الشئ هي التى تحول الشئ من حال أولى إلي حال ثانية وهلم جرا فهى لا تزال تدفع الأشياء من ورائها.
وكما أن المقادير تدفعها من ورائها كذلك الآجال وهى آخر ما ينتهى إليه وجود الأشياء تجذبها من أمامها كما يدل عليه قوله تعالى ﴿ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون : الاحقاف - ٣﴾ فإن الآية تربط الأشياء بغاياتها وهى الآجال والشيئان المرتبطان إذا قوى أحدهما على الآخر كان حاله بالنسبة إلى قرينه هو المسمى جذبا والآجال المسماة امور ثابتة غير متغيرة فهى تجذب الأشياء من أمامها وهو ظاهر.


الصفحة التالية
Icon