قال أبو مسلم : في ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت، وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولم يقع منكم الجهاد، وهو كقوله :﴿الم * أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ [ العنكبوت : ١ ٢ ] وافتتح الكلام بذكر "أم" التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين يشك في أحدهما لا بعينه، يقولون : أزيداً ضربت أم عمرواً، مع تيقن وقوع الضرب بأحدهما، قال : وعادة العرب يأتون بهذا الجنس من الاستفهام توكيداً، فلما قال :﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ [ آل عمران : ١٣٩ ] كأنه قال : أفتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر، وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة، وأوجب الصبر على تحمل متاعبها، وبين وجوه المصالح فيها في الدين وفي الدنيا، فلما كان كذلك، فمن البعيد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه الطاعة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٦ ـ ١٧﴾
وقال القرطبى :
"أم" بمعنى بل.
وقيل : الميم زائدة، والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الّذين قُتلوا وصبروا على ألَمِ الجِراح والقتل من غير أن تَسْلُكوا طريقهم وتصبروا صبرهم لا ؛ حتى ﴿ يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ ﴾ أي عِلْم شهادة حتى يقع عليه الجزاء.
والمعنى : ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم ؛ فلما بمعنى لم.
وفرق سيبويه بين "لم" و"لما"، فزعم أن "لم يَفعلْ" نفى فَعَل، وأن "لَمّا يفعلْ". نفى قد فَعَل. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٢٠﴾