وعلى هذا الوجه تكون الآية مشيرة إلى تسفيهِ رأي من قال :"لو كلّمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان" كما يدلّ عليه قوله :﴿ بل الله مولاكم ﴾.
ويحتمل أن يراد من الطاعة طاعة القول والإشارة، أي الامتثال، وذلك قول المنافقين لهم : لو كان محمد نبيئاً ما قُتل فارجعوا إلى إخوانكم وملّتكم.
ومعنى الردّ على الأعقاب في هذا الوجه أنَّه يحصل مباشرة في حال طاعتهم إيّاهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٤٧﴾
قوله تعالى :﴿بَلِ الله مولاكم وَهُوَ خَيْرُ الناصرين﴾
قال الفخر :
والمعنى أنكم إنما تطيعون الكفار لينصروكم ويعينوكم على مطالبكم وهذا جهل، لأنهم عاجزون متحيرون، والعاقل يطلب النصرة من الله تعالى، لأنه هو الذي ينصركم على العدو ويدفع عنكم كيده، ثم بين أنه خير الناصرين، ولو لم يكن المراد بقوله :﴿مولاكم وَهُوَ خَيْرُ الناصرين﴾ النصرة، لم يصح أن يتبعه بهذا القول. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٦﴾.
وقال الآلوسى :
﴿ بَلِ الله مولاكم ﴾ إضراب وترك للكلام الأول من غير إبطال والمعنى ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء ولا ينصرونكم بل الله ناصركم لا غيره.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ الناصرين ﴾ لأنه القوي الذي لا يغلب والناصر في الحقيقة فينبغي أن يخص بالطاعة والاستعانة، والجملة معطوفة على ما قلبها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٨٧﴾. بتصرف يسير.
فائدة
قال ابن عاشور :
و﴿ خير النَّاصرين ﴾ هو أفضل الموصوفين بالوصف، فيما يراد منه، وفي موقعه، وفائدته، فالنصر يقصد منه دفع الغلب عن المغلوب، فمتى كان الدفع أقطع للغالب كان النصر أفضل، ويقصد منه دفع الظلم فمتى كان النصر قاطعاً لظلم الظالم كان موقعه أفضل، وفائدته أكمل، فالنصر لا يخلو من مدحة لأنّ فيه ظهور الشَّجاعة وإباء الضيم والنجدة.


الصفحة التالية
Icon