فالإلقاء أمر مادي، كأن الله يريد أن يجعل المعنى وهو الرعب شائعا، فقال : أنا سأجمع الرعب وأضعه في القلب، ويكون عمله ماديًّا. فإذا ما استقر الرعب في القلب جاء الخَور، وإذا سكن الخور القلب نضح على جميع الجوارح تخاذلا، فيقول :﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ﴾ فكأنه مثل لنا الرعب، والرعب أمر معنوي وهو التخوف من كل شيء، فأوضح : بأنه سيأتيهم بالرعب ويلقيه في القلب، فيبقى به ليصنع الخور والخذلان.
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ﴾ انظروا إلى التعابير الصادرة عن الله إنه هنا يأتي بـ " نون العظمة "، ﴿ سَنُلْقِي ﴾ ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى ساعة يتكلم عن أمر يحتاج إلى فعل فهو سبحانه يأتي بـ " نون العظمة " كقوله :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
[الحجر : ٩]
ولأن إنزال الذكر عملية عظيمة، فنأتي بـ " نون العظمة ". لأننا سننزله بقدرة وسننزله بحكمة، وننزله بعلم وننزله ببصر، وننزله بقيومية، وننزله بقبض، وننزله ببسط، فقوله :﴿ إِنَّا نَحْنُ ﴾ فكأن نون العظمة تأتي هنا، لكن ساعة يتكلم سبحانه عن الذات العلية فهو يقول :" إنني أنا الله ". لم يقل إننا، ولكن في الإنزال يقول :
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
[القدر : ١]
لأن هذه عملية عظيمة جليلة ؛ فـ " نون العظمة " تأتي فيما يكون من شأنه حدث يٌفعل ؛ وهذا الحدث الذي يٌفعل يحتاج لصفات كثيرة، ولذلك قلنا ساعة تبتدئ أيُّ عمل تقول :" بسم الله الرحمن الرحيم " لماذا ؟ لأن العمل الذي ستعمله يحتاج إلى قدرة عليه، ويحتاج إلى علم قبل أن تعمله، ويحتاج إلى حكمة، أي أنه يحتاج إلى صفات كثيرة، فأنت تدخل على العمل باسم القادر الذي يُقْدِرُك ؛ وباسم العليم الذي يعلمك، وباسم الحكيم الذي يحكمك.