ثم بين لهم سبب هزيمتهم بعد تمكينه منهم ليكون رادعاً لهم عن المعاودة إلى مثله فقال مبيناً لغاية الحسن :﴿حتى إذا فشلتم﴾ أي ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة خلاف ما تدعو إليه الهمم العوالي، فكيف بهم إذا كانوا من حزب مولى الموالي! فلو كانت العرب على حال جاهليتها تتفاخر بالإقبال على الطعن والضرب في مواطن الحرب والإعراض عن الغنائم - كما قال عنترة بن شداد العبسي يفتخر :
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك...
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سابح...
نهد تعاوره الكماة مكلم
طوراً يعرض للطعان وتارة...
يأوي إلى حصد القسي عرموم
يخبرك من شهد الوقيعة أنني...
أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم
وقال يفاخر بقومه كلهم :
إنا إذا حمس الوغى نروي القنا...
ونعف عند مقاسم الأنفال
ولما ذكر الفشل عطف عليه ما هو سببه في الغالب فقال :﴿وتنازعتم﴾ أي بالاختلاف، وأصله من نزع بعض شيئاً من يد بعض ﴿في الأمر﴾ أي أمر الثغر المأمور بحفظه ﴿وعصيتم﴾ أي وقع العصيان بينكم بتضييع الثغر.
وأثبت الجار تصويراً للمخالفة بأنها كانت عقب رؤية النصر سواء، وتبشيراً بزوالها فقال :﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾ أي من حسهم بالسيوف وهزيمتهم.
ولما كان ذلك ربما أفهم أن الجميع عصوا نفي ذلك معللاً للعصيان بقوله :﴿منكم من يريد الدنيا﴾ أي قد أغضى عن معايبها التي أجلاها فناؤها.
ولما كان حكم الباقين غير معين للفهم من هذه الجملة قال :﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ وهم الثابتون في مراكزهم، لما يعرجوا على الدنيا.


الصفحة التالية
Icon