الأول : وهو قول البصريين أن جوابه محذوف، والتقدير : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منعكم الله نصره، وإنما حسن حذف هذا الجواب لدلالة قوله :﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ﴾ عليه، ونظائره في القرآن كثيرة، قال تعالى :﴿فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الأرض أَوْ سُلَمَاً في السماء فتأتيهم بِآية﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] والتقدير : فافعل، ثم أسقط هذا الجواب لدلالة هذا الكلام عليه، وقال :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاء الليل﴾ [ الزمر : ٩ ] والتقدير : أم من هو قانت كمن لا يكون كذلك ؟
الوجه الثاني : وهو مذهب الكوفيين واختيار الفراء : أن جوابه هو قوله :﴿وَعَصَيْتُمْ﴾ والواو زائدة كما قال :﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وناديناه﴾ [ الصافات : ١٠٣ ١٠٤ ] والمعنى ناديناه، كذا ههنا، الفشل والتنازع صار موجباً للعصيان، فكان التقدير حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر عصيتم، فالواو زائدة، وبعض من نصر هذا القول زعم أن من مذهب العرب إدخال الواو في جواب "حتى إذا" بدليل قوله تعالى :﴿حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [ الزمر : ٧١ ] والتقدير حتى إذا جاؤها فتحت لهم أبوابها.
فإن قيل : إن فشلتم وتنازعتم معصية، فلو جعلنا الفشل والتنازع علة للمعصية لزم كون الشيء علة لنفسه وذلك فاسد.
قلنا : المراد من العصيان ههنا خروجهم عن ذلك المكان، ولا شك أن الفشل والتنازع هو الذي أوجب خروجهم عن ذلك المكان، فلم يلزم تعليل الشيء بنفسه.
واعلم أن البصريين إنما لم يقبلوا هذا الجواب لأن مذهبهم أنه لا يجوز جعل الواو زائدة.


الصفحة التالية
Icon