واعلم أن اللفظ لما كان عاما وجب أن يدخل فيه خسران الدنيا والآخرة، أما خسران الدنيا فلأن أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له وإظهار الحاجة اليه، وأما خسران الآخرة فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٢٦﴾

فصل


قال أبو حيان :
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ﴾ الخطاب عامّ يتناول أهل أحد وغيرهم.
وما زال الكفار مثابرين على رجوع المؤمنين عن دينهم، ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء.
وودُّوا لو تكفرون، لن تنفعكم ﴿ ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردُّونكم من بعد إيمانكم كفاراً ﴾ ﴿ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ﴾ وقيل : الخطاب خاص بمن كان مع رسول الله ﷺ من المؤمنين يوم أحد.
فعلى الأول علق على مطلق طاعتهم الرد على العقب والانقلاب بالخسران وهذا غاية في التحرز منهم والمجانبة لهم، فلا يطاعون في شيء ولا يشاورون، لأن ذلك يستجر إلى موافقتهم، ويكون الذين كفروا عاماً.
وعلى القول الثاني : يكون الذين كفروا خاصاً.
فقال عليّ وابن عباس : هم المنافقون قالوا للمؤمنين لما رجعوا من أحد : لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه فارجعوا إلى إخوانكم.
وقال ابن جريج : هم اليهود والنصارى وقاله : الحسن.
وعنه : إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم لأنهم كانوا يستغوونهم، ويوقعون لهم الشبه، ويقولون : لو كان لكم نبياً حقاً لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم، وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس، يوماً له ويوماً عليه.
وقال السدي : هم أبو سفيان وأصحابه من عباد الأوثان.
وقال الحسن أيضاً : هو كعب وأصحابه.


الصفحة التالية
Icon