الأول : وهو قول الزجاج أنكم لما أذقتم الرسول غماً بسبب أن عصيتم أمره، فالله تعالى أذاقكم هذا الغم، وهو الغم الذي حصل لهم بسبب الانهزام وقتل الأحباب، والمعنى جازاكم من ذلك الغم بهذا الغم.
الثاني : قال الحسن : يريد غم يوم أحد للمسلمين بغم يوم بدر للمشركين، والمقصود منه أن لا يبقى في قلبكم التفات إلى الدنيا، فلا تفرحوا بإقبالها ولا تحزنوا بإدبارها، وهو المعنى بقوله :﴿لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ﴾ في واقعة أحد ﴿وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم﴾ [ الحديد : ٢٣ ] في واقعة بدر،
طعن القاضي في هذا الوجه وقال : إن غمهم يوم أحد إنما كان من جهة استيلاء الكفار، وذلك كفر ومعصية، فكيف يضيفه الله إلى نفسه ؟
ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يبعد أن يعلم الله تعالى أن في تسليط الكفار على المسلمين نوع مصلحة، وهو أن لا يفرحوا بإقبال الدنيا ولا يحزنوا بإدبارها، فلا يبقى في قلوبهم اشتغال بغير الله.
الثالث : يجوز أن يكون الضمير في قوله ﴿فأثابكم﴾ يعود للرسول، والمعنى أن الصحابة لما رأوا أن النبي ﷺ شج وجهه وكسرت رباعيته وقتل عمه، اغتموا لأجله، والرسول عليه السلام لما رأى أنهم عصوا ربهم لطلب الغنيمة ثم بقوا محرومين من الغنيمة، وقتل أقاربهم اغتم لأجلهم، فكان المراد من قوله ﴿فأثابكم غَمّاً بِغَمّ﴾ هو هذا، أما على التقدير الثاني وهو أن تكون الباء في قوله :﴿غَمّاً بِغَمّ﴾ بمعنى "مع" أي غما مع غم، أو غما على غم، فهذا جائز لأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، تقول : ما زلت به حتى فعل، وما زلت معه حتى فعل، وتقول : نزلت ببني فلان، وعلى بني فلان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon