وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ فأثابكم غما ﴾ إن كان ضمير ﴿ فأثابكم ﴾ ضميرَ اسم الجلالةَ، وهو الأظهر والموافق لقوله بعده :﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم ﴾ [ آل عمران : ١٥٤ ] فهو عطف على ﴿ صَرَفكم ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ] أي ترتّب على الصرف إثابتكم.
وأصلُ الإثابة إعطاء الثَّواب وهو شيء يكون جزاء على عطاء أو فعل.
والغمّ ليس بخير، فيكونُ أثابكم إمّا استعارة تهكمية كقول عمرو بن كلثوم :
قَرَينَاكُم فَعَجَّلْنَا قِراكم
قبيلَ الصبح مِرداة طحونا...
أي جازاكم الله على ذلك الإصعاد المقارن للصرف أن أثابكم غمّاً أي قلقَا لكم في نفوسكم، والمراد أن عاقبكم بغمّ كقوله :﴿ فبشّرهم بعذاب أليم ﴾ [ آل عمران : ٢١ ] وفي هذا الوجه بعد : لأنّ المقام مقام ملام لا توبيخ، ومقام معذرة لا تنديم.
وإمّا مشاكلةً تقديرية لأنَّهم لما خرجوا للحرب خرجوا طالبين الثَّواب، فسلكوا مسالك باءوا معها بعقاب فيكون كقول الفرزدق :
أخاف زياداً أن يكون عطاؤُه
أدَاهِم سوداً أو مُحَدْرَجَةً سُمرا...
وقول الآخر :
قلتُ : اطبُخوا لي جُبَّةً قميصاً.
ونكتة هذه المشاكلة أن يتوصّل بها إلى الكلام على ما نشأ عن هذا الغمّ من عبرة، ومن توجّه عناية الله تعالى إليهم بعده.
والباء في قوله :﴿ بغمّ ﴾ للمصاحبة أي غمّاً مع غمّ، وهو جملة الغموم الَّتي دخلت عليهم من خيبة الأمل في النَّصر بعد ظهور بَوارقه، ومن الانهزام، ومن قتل من قُتل، وجرح من جرح، ويجوز كون الباء للعوض، أي : جازاكم الله غمّاً في نفوسكم عوضاً عن الغمّ الَّذي نسبتم فيه للرسول وإن كان الضّمير في قوله :﴿ فأثابكم ﴾ عائداً إلى الرسول في قوله :﴿ والرسول يدعوكم ﴾، وفيه بعد، فالإثابة مجاز في مقابلة فعل الجميل بمثله أي جازاكم بغمّ.
والباء في قوله :﴿ بغمّ ﴾ باء العوض.