والغمّ الأوّل غمّ نفس الرسول، والغمّ الثَّاني غمّ المسلمين، والمعنى أنّ الرسول اغتمّ وحزن لما أصابكم، كما اغتممتم لما شاع من قتله فكان غمّه لأجلكم جزاءاً على غمّكم لأجله. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٥٤ ـ ٢٥٥﴾

فصل


قال الفخر :
واعلم أن الغموم هناك كانت كثيرة :
فأحدها : غمهم بما نالهم من العدو في الأنفس والأموال.
وثانيها : غمهم بما لحق سائر المؤمنين من ذلك،
وثالثها : غمهم بما وصل إلى الرسول من الشجة وكسر الرباعية،
ورابعها : ما أرجف به من قتل الرسول ﷺ،
وخامسها : بما وقع منهم من المعصية وما يخافون من عقابها،
وسادسها : غمهم بسبب التوبة التي صارت واجبة عليهم، وذلك لأنهم إذا تابوا عن تلك المعصية لم تتم توبتهم إلا بترك الهزيمة والعود إلى المحاربة بعد الانهزام، وذلك من أشق الأشياء، لأن الأنسان بعد صيرورته منهزما يصير ضعيف القلب جباناً، فإذا أمر بالمعاودة، فإن فعل خاف القتل، وإن لم يفعل خاف الكفر أو عقاب الآخرة، وهذا الغم لا شك أنه أعظم الغموم والأحزان، وإذا عرفت هذه الجملة فكل واحد من المفسرين فسر هذه الآية بواحد من هذه الوجوه ونحن نعدها :
الوجه الأول : أن الغم الأول ما أصابهم عند الفشل والتنازع، والغم الثاني ما حصل عند الهزيمة.
الوجه الثاني : أن الغم الأول ما حصل بسبب فوت الغنائم، والغم الثاني ما حصل بسبب أن أبا سفيان وخالد بن الوليد اطلعا على المسلمين فحملوا عليهم وقتلوا منهم جمعاً عظيما.
الوجه الثالث : أن الغم الأول ما كان عند توجه أبي سفيان وخالد بن الوليد عليهم بالقتل والغم الثاني هو أن المشركين لما رجعوا خاف الباقون من المسلمين من أنهم لو رجعوا لقتلوا الكل فصار هذا الغم بحيث أذهلهم عن الغم الأول.


الصفحة التالية
Icon