﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ] كأنه قال : ولقد عفا عنكم لكيلا تحزنوا، لأن في عفوه تعالى ما يزيل كل غم وحزن،
والثاني : أن اللام متصلة بقوله :﴿فأثابكم﴾ ثم على هذا القول ذكروا وجوها :
الأول : قال الزجاج : المعنى أثابكم غم الهزيمة من غمكم النبي ﷺ بسبب مخالفته، ليكون غمكم بأن خالفتموه فقط، لا بأن فاتتكم الغنيمة وأصابتكم الهزيمة، وذلك لأن الغم الحاصل بسبب الإقدام على المعصية ينسي الغم الحاصل بسبب مصائب الدنيا.
الثاني : قال الحسن : جعلكم مغمومين يوم أحد في مقابلة ما جعلتموهم مغمومين يوم بدر، لأجل أن يسهل أمر الدنيا في أعينكم فلا تحزنوا بفواتها ولا تفرحوا باقبالها، وهذان الوجهان مفرعان على قولنا الباء في قوله :﴿غَمّاً بِغَمّ﴾ للمجازاة، أما إذا قلنا انها بمعنى "مع" فالمعنى أنكم قلتم لو بقينا في هذا المكان وامتثلنا أمر الرسول لوقعنا في غم فوات الغنيمة، فاعلموا أنكم لما خالفتم أمر الرسول وطلبتم الغنيمة وقعتم في هذه الغموم العظيمة التي كل واحد منها أعظم من ذلك الغم أضعافا مضاعفة، والعاقل إذا تعارض عنده الضرران، وجب أن يخص أعظمهما بالدفع، فصارت إثابة الغم على الغم مانعاً لكم من أن تحزنوا بسبب فوات الغنيمة، وزاجراً لكم عن ذلك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣٥ ـ ٣٦﴾
وقال الآلوسى :
﴿ لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أصابكم ﴾ ظاهر إذ المعنى أساءكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ولا ما أصابكم من الشدائد، وكذا على ما ذهب إليه المغربي، وأما على الأوجه الأخر فالمعنى لتتمرنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزنوا على نفع ما فات أو ضر آت، وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن المجازاة بالغم إنما تكون سبباً للحزن لا لعدمه.