﴿غَيْرِ الحق﴾ في حكم المصدر، ومعناه : يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به ( وظن الجاهلية ) بدل منه، والفائدة في هذا الترتيب أن غير الحق : أديان كثيرة، وأقبحها مقالات أهل الجاهلية، فذكر أولا أنهم يظنون بالله غير الظن الحق، ثم بين أنهم اختاروا من أقسام الأديان التي غير حقة أركها وأكثرها بطلانا، وهو ظن أهل الجاهلية، كما يقال : فلان دينه ليس بحق، دينه دين الملاحدة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣٩﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
وإنَّما كان هذا الظنّ غيرَ الحقّ لأنَّه تخليط في معرفة صفات الله وصفات رسوله وما يجوز وما يستحيل، فإنّ لله أمراً وهدياً وله قدَر وتيسير، وكذلك لرسوله الدعوة والتشريع وبذل الجهد في تأييد الدّين وهو في ذلك معصوم، وليس معصوماً من جريان الأسباب الدنيوية عليه، ومن أن يكون الحرب بينه وبين عدوّه سجالاً، قال أبو سفيان لهرقل وقد سأله : كيف كان قتالكم له ؟ فقال أبو سفيان : ينال منّا وننال منه، فقال هرقل : وكذلك الإيمان حتَّى يتمّ.
فظنّهم ذلك ليس بحقّ.
وقد بيّن الله تعالى أنَّه ظنّ الجاهلية الَّذين لم يعرفوا الإيمان أصلاً فهؤلاء المتظاهرون بالإيمان لم يدخل الإيمان في قلوبهم فبقيت معارفهم كما هي من عهد الجاهلية، والجاهلية صفة جرت على موصوف محذوف يقدّر بالفئة أو الجماعة، وربما أريد به حالة الجاهلية في قولهم أهل الجاهلية، وقوله تعالى :﴿ تبرّج الجاهلية الأولى ﴾، والظاهر أنَّه نسبة إلى الجاهل أي الَّذي لا يعلم الدين والتَّوحيد، فإنّ العرب أطلقت الجهل على ما قابل الحلم، قال ابن الرومي
بجهل كجهل السيف والسيف منتضى
وحلم كحلم السيف والسيف مغمد...
وأطلقت الجهل على عدم العلم قال السموأل....
فليسَ سواء عالم وجَهول
وقال النابغة :
وليس جَاهل شيءٍ مثلَ مَن علما


الصفحة التالية