لقن الله رسوله الجواب عن قولهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا.
والجواب إبطال لقولهم، وتعليم للمؤمنين لدفع ما عسى أن يقع في نفوسهم من الريب، إذا سمعوا كلام المنافقين، أو هو جواب للمنافقين ويحصل به علم للمؤمنين.
وفُصلت الجملة جرياً على حكاية المقاولة كما قرّرنا غير مرّة.
وهذا الجواب جار على الحقيقة وهي جريان الأشياء على قَدر من الله والتسليمِ لذلك بعد استفراغ الجهد في مصادفة المأمول، فليس هذا الجواب ونظائره بمقتض ترك الأسباب، لأنّ قدر الله تعالى وقضاءه غير معلومَين لنا إلاّ بعد الوقوع، فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفاً عن مصادفة قدر الله لمأمولنا، فإن استفرغنا جهودنا وحُرمنا المأمول، علمنا أنّ قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا.
فأمَّا ترك الأسباب فليس من شأننا، وهو مخالف لما أراد الله منّا، وإعراض عمّا أقامنا الله فيه في هذا العالم وهو تحريف لمعنى القدَر.
والمعنى : لو لم تكونوا ههنا وكنتم في بيوتكم لخرج الَّذين كتب الله عليهم أن يموتوا مقتولين فقتلوا في مضاجعهم الَّتي اضطجعوا فيها يوم أُحُد أي مصارعهم فالمراد بقوله :﴿ كتب ﴾ قدّر، ومعنى ﴿ برز ﴾ خرج إلى البراز وهو الأرض. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٦٠﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ﴾ هذا النوع عند علماء البيان يسمى الاحتجاج النظري : وهو أن يذكر المتكلم معنى يستدلّ عليه بضروب من المعقول نحو :﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ﴾ ﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ ﴿ أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر ﴾ وبعضهم يسميه : المذهب الكلامي.
ومنه قول الشاعر :
جرى القضاء بما فيه فإن تلم...
فلا ملام على ما خط بالقلم