قوله :﴿ يغشى ﴾ قراءة حمزة والكسائي بالتاء من فوق، والباقون بالباء ؛ ردًّا إلى النُّعَاسِ، وخرَّجوا قراءة حمزة والكسائي على أنها صفة لـ " امَنَةً " ؛ مراعاة لها، ولا بُدّ من تفصيل، وهو إن أعربوا " نُعَاساً " بدلاً، أو عَطْفَ بيانٍ، أشكل قولهم من وَجْهَيْن :
الأول : أن النُّحاة نَصُّوا على أنه إذا اجتمع الصفةُ والبدلُ أو عَطْفُ البيانِ، قدِّمت الصفة، وأخر غيرها، وهنا قد قدَّموا البدلَ، أو عطف البيانِ عليها.
الثاني : أن المعروفَ في لغة العرب أن يُحَدَّث عن البدل، لا عن المبدَل منه، تقول : هِنْد حُسْنُها فاتِنٌ، ولا يجوز فاتنة - إلا قليلاً - فَجَعْلُهم " نُعَاساً " بدلاً من " أمَنَةً " يضعف لهذا.
فإن قيل : قد جاء مراعاة المبدَل منه في قول الشاعر :[ الكامل ]
وَكَأنَّهُ لَهِقُ السَّرِاةِ كَأَنَّهُ... مَا حَاجِبَيْنهِ مُعَيَّنٌ بِسَوَادِ
فقال :" مُعَيَّنٌ " ؛ مراعة للهاء في " كأنه " ولم يُرَاعِ البدل - حاجبيه - ومثله قول الآخر :[ الكامل ]
إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّها وَرَواحَهَا... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعضَبِ
فقال : تركت ؛ مراعاة للسيوف، ولو راعَى البدل لقال : تركا.
فالجوابُ : أنَّ هذا - وإن كان قد قَالَ به بعضُ النحويينَ ؛ مستنداً إلى هذين البيتين - مُؤوَّلٌ بأن " معين " خبر لِـ " حاجبيه " لجريانهما مَجْرَى الشيء الواحدِ في كلام الْعَرَبِ، وأنَّ نصب " غُدُوَّهَا وَرَوَاحَهَا " على الظرف، لا على البدل. وقد تقدم شيء من هذا عند قوله :﴿ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ].


الصفحة التالية
Icon