ولكن يضعف هذا بقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ ﴾ فإن من نَفَى عن نفسه شيئاً لا يجاب بأنه ثبت لغيره ؛ لأنه يُقِرُّ بذلك، اللهم إلاَّ أن يقدر جملة أخرى ثبوتية مع هذه الجملة، فكأنَّهم قالوا : ليس لنا من الأمر شيءٌ، بَلْ لمن أكرهنا على الخروج وحَمَلَنا عليه، فحينئذ يحْسُن الجوابُ بقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ ﴾ لقولهم هذا، وهذه الجملةُ الجوابيةُ اعتراض بين الجُمَل التي جاءت بعد قوله :" وطائفة " فإن قوله :﴿ يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم ﴾ وكذا ﴿ يَقُولُونَ ﴾ - الثانية - إما خبر عن " طَائِفَةٌ " أو حال مما قبلها.
وقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ ﴾ قرأ أبو عمرو " كُلُّهُ " - رفعاً - وفيه وجهان :
الأول :- وهو الأظهر - أنه رفع بالابتداء، و" لله " خبره والجملة خبر " إنَّ " نحو : إن مال زيد كله عنده.
الثاني : أنه توكيد على المحل، فإن اسمها - في الأصل - مرفوعٌ بالابتداء، وهذا مذهبُ الزَّجَّاجِ والجَرْمي، يُجْرُون التوابعَ كلَّها مُجْرَى عطف النسق، فيكون " للهِ " خبراً لِـ " إنَّ " أيضاً.
وقرأ الباقون بالنصب، فيكون تأكيداً لاسم " إنَّ " وحَكَى مكي عن الأخفش أنه بدل منه - وليس بواضح - و" للهِ " خبر " إنَّ ".
وقيل على النعت ؛ لأنَّ لفظة " كُلّ " للتأكيد، فكانت كلفظة " أجمع ".
قوله :﴿ يُخْفُونَ ﴾ إما خبر لِـ ﴿ طَآئِفَةً ﴾ وإما حال مما قبله - كما تقدم - وقوله :﴿ يَقُولُونَ ﴾ يحتمل هذينِ الوجهينِ، ويحتمل أن يكون تفسيراً لقوله :﴿ يُخْفُونَ ﴾ فلا محلَّ له حينئذٍ.
قوله :﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ ﴾ كقوله :﴿ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَيْءٍ ﴾ وقد عرف الصحيح من الوجهين.