ولنرجع إلى التفسير : كأنه قيل إن تركتم الجهاد واحترزتم عن القتل والموت بقيتم أياما قليلة في الدنيا مع تلك اللذات الخسيسة، ثم تتركونها لا محالة، فتكون لذاتها لغيركم وتبعاتها عليكم، أما لو أعرضتم عن لذات الدنيا وطيباتها، وبذلتم النفس والمال للمولى يكون حشركم إلى الله، ووقوفكم على عتبة رحمة الله، وتلذذكم بذكر الله، فشتان ما بين هاتين الدرجتين والمنزلتين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾
وقال ابن عطية :
ذكر تعالى الحشر إليه، وأنه غاية لكل أحد قتل أو مات، وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة، أي إذا كان الحشر في كلا الأمرين فالمضي إليه في حال الشهادة أولى. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٥٣٣﴾
فائدة
قال أبو حيان :
وقدّم الموت هنا على القتل لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر، وتزهيد في الدنيا والحياة، والموت فيها مطلق لم يقيد بشيء.
فإما أنْ يكونَ الخطاب مختصاً بمن خوطب قبلُ أو عاماً واندرج أولئك فيه، فقدِّم لعمومه، ولأنه أغلب في الناس من القتل، فهذه ثلاثة مواضع.
ما ماتوا وما قتلوا : فقدم الموت على القتل لمناسبة ما قبله من قوله :﴿ إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزاً ﴾ وتقدّم القتل على الموت بعد، لأنه محل تحريض على الجهاد، فقدم الأهم والأشرف.
وقدم الموت هنا لأنه الأغلب، ولم يؤكد الفعل الواقع جواباً للقسم المحذوف لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور.
ولو تأخر لكان : لتحشرن إليه كقوله : ليقولن ما يحبسه.
وسواء كان الفصل بمعمول الفعل كهذا، أو بسوف.
كقوله :﴿ فلسوف تعلمون ﴾ أو بقد كقول الشاعر :
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه...
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي