وعلى هذا الوجه تظهر مناسبة موقع هذا الاستئناف عقب ما تقدّمه : لأنَّه بعد أن خاطبهم بفنون الملام والمعذرة والتسلية من قوله :﴿ قد خلت من قبلكم سنن ﴾ [ آل عمران : ١٣٧ ] إلى هنا، جمع لهم كُلّ ذلك في كلام جامع نافعٍ في تلقِّي الماضي، وصالححٍ للعمل به في المستقبل، ويجوز أن يكون الإخبار مبنيّاً على تنزيل العالم منزلة الجاهل، حيث أظهروا من الحرص على الغنيمة ومن التأوّل في أمر الرسول لهم في الثبات، ومن التلهّف على ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجرح، ما جعل حالهم كحال من يجهل أنّ النصر والخذل بيد الله تعالى.
فالخبر مستعمل في معناه على خلاف مقتضى الظاهر.
والنَّصر : الإعانة على الخلاص من غلب العَدوّ ومُريد الإضرار. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٧١ ـ ٢٧٢﴾

فصل


قال الفخر :
قيل المقصود من الآية الترغيب في الطاعة، والتحذير عن المعصية، وذلك لأنه تعالى بين فيما تقدم أن من اتقى معاصي الله تعالى نصره الله، وهو قوله :﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الملائكة﴾ [ آل عمران : ١٢٥ ] ثم بين في هذه الآية أن من نصره الله فلا غالب له، فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين، أن من اتقى الله فقد فاز بسعادة الدنيا والآخرة فإنه يفوز بسعادة لا شقاوة معها وبعز لا ذل معه، ويصير غالبا لا يغلبه أحد، وأما من أتى بالمعصية فإن الله يخذله، ومن خذله الله فقد وقع في شقاوة لا سعادة معها، وذل لا عز معه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٥٦﴾


الصفحة التالية
Icon