قال الآلوسى :
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ﴾ جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفاً للمؤمنين لإيجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي يستحق بها النصرة والتحذير عن معصيته التي يستحق بها الخذلان أي إن يرد نصركم كما أراده يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفي الجنس المنتظم بجميع أفراد الغالب ذاتاً وصفة فهو أبلغ من لا يغلبكم أحد لدلالته على نفي الصفة فقط.
ثم المفهوم من ظاهر النظم الكريم كما قال شيخ الإسلام وإن كان نفي مغلوبيتهم من غير تعرض لنفي المساواة أيضاً وهو الذي يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهماً قطعياً هو نفي المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين، فإذا قلت : لا أكرم من فلان ولا أفضل منه فالمفهوم منه حتماً أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ولا اختصاص ( له ) بالنفي الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى :﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا ﴾ [ الأنعام : ١٤٤ ] في مواقع كثيرة من التنزيل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ١٠٨﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
ومعنى ﴿ إن ينصركم ﴾ ﴿ وإن يخذلكم ﴾ إنْ يُرد هَذا لَكم، وإلاّ لما استقام جواب الشرط الأوّل، وهو " ﴿ فلا غالب لكم ﴾ إذ لا فائدة في ترتيب عدم الغلب على حصول النصر بالفِعل، ولا سيما مع نفي الجنس في قوله :﴿ فلا غالب لكم ﴾، لأنَّه يصير من الإخبار بالمعلوم، كما تقول : إن قمتَ فأنتَ لست بقَاعد.
وأمَّا فعل الشرط الثَّاني وهو :﴿ وإن يخذلكم ﴾ فيقدّر كذلك حَمْلاً على نظيره، وإن كان يستقيم المعنى بدون تأويل فيه.
وهذا من استعمال الفعل في معنى إرادة الفعل كقوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ [ المائدة : ٦ ] الآية.


الصفحة التالية
Icon