عَنْ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِالشَّيْءِ، وَالْعِلْمُ : انْكِشَافٌ لَا يُفِيدُ الْإِلْزَامَ، وَالْقَدَرُ : وُقُوعُ الشَّيْءِ عَلَى حَسَبِ الْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ وَإِلَّا كَانَ جَهْلًا، أَوِ الْوَاقِعُ غَيْرُ وَاقِعٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهُنَا أَمْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّذِي يُسَمَّى " الْإِنْسَانَ " يَعْمَلُ أَعْمَالَهُ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْقُدْرَةِ وَلَا الْإِرَادَةِ وَلَا الْعِلْمِ، فَقَدْ يَعْزِمُ عَلَى الْعَمَلِ ثُمَّ تَنْفَسِخُ عَزِيمَتُهُ لِتَغَيُّرِ عِلْمِهِ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ تَنْفِيذِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ لِمَرَضٍ يُلِمُّ بِهِ أَوْ مَانِعٍ يَحُولُ دُونَ مَا أَرَادَهُ، وَهَذَا يَقَعُ مَعَ النَّاسِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَغْفُلُونَ عَنْهُ وَيَغْتَرُّونَ بِمَا يَنْفُذُ مِنْ عَزَائِمِهِمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ : جَاءَ مِصْرَ رَجُلَانِ مِنَ الْأُورُبِّيِّينَ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهِمْ بِأَنْ يُحَدِّدُوا مُدَّةَ سَفَرِهِمْ وَمَقَامِهِمْ فِي كُلِّ بَلَدٍ يَزُورُونَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ مِمَّا كَتَبَاهُ فِي بَرْنَامَجِ سَفَرِهِمَا أَنَّهُمَا يُقِيمَانِ بِمِصْرَ سِتَّةَ أَيَّامٍ، فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا فَاضْطُرَّ إِلَى أَنْ يَمُدَّ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَهَكَذَا شَأْنُ الْإِنْسَانِ يَعْزِمُ فَيَعْمَلُ، أَوْ يَعْجِزُ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْعَمَلِ،