وقال ابن عاشور :
ومناسبةُ ذكر هذه الآية عقب الَّتي قبلها أنَّه تعالى بعد أن بيَّن لهم مرتبة حقّ اليقين بقوله :﴿ قل لو كنتم في بيوتكم ﴾ انتقل بهم إلى مرتبة الأسباب الظاهرة، فبيّن لهم أنَّه إن كان للأسباب تأثير فسبب مصيبتهم هي أفعالهم الَّتي أملاها الشيطان عليهم وأضلّهم، فلم يتفطّنوا إلى السبب، والتبس عليهم بالمقارن، ومن شأن هذا الضلال أن يحول بين المخطىء وبين تدارك خطئه ولا يخفى ما في الجمع بين هذه الأغراض من العلم الصّحيح، وتزكية النفوس، وتحبيب الله ورسوله للمؤمنين، وتعظيمه عندهم، وتنفيرهم من الشيطان، والأفعاللِ الذميمة، ومعصية الرسول، وتسفيه أحلام المشركين والمنافقين.
وعلى هذا فالمراد من الذين تولّوا نفس المخاطبين بقوله :﴿ ثم صرفكم عنهم...
[ آل عمران : ١٥٢ ] الآيات.
وضمير ﴿ منكم ﴾ راجع إلى عامّة جيش أُحُد فشمل الذين ثبتوا ولم يفرّوا.
وعن السديّ أنّ الذين تولّوا جماعة هربوا إلى المدينة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٦٢﴾
فائدة
قال الفخر :
اعلم أن المراد : أن القوم الذين تولوا يوم أحد عند التقاء الجمعين وفارقوا المكان وانهزموا قد عفا الله عنهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٤١﴾

فصل


قال الفخر :
اختلفت الأخبار فيمن ثبت ذلك اليوم وفيمن تولى، فذكر محمد بن إسحاق أن ثلث الناس كانوا مجروحين، وثلثهم انهزموا، وثلثهم ثبتوا، واختلفوا في المنهزمين، فقيل : إن بعضهم ورد المدينة وأخبر أن النبي ﷺ قتل، وهو سعد بن عثمان، ثم ورد بعده رجال دخلوا على نسائهم، وجعل النساء يقلن : عن رسول الله ﷺ تفرون! وكن يحثين التراب في وجوههم ويقلن : هاك المغزل اغزل به، ومنهم قال : إن المسلمين لم يعدوا الجبل.


الصفحة التالية
Icon