فالجوابُ : أن هذا خاصٌّ بأفعل التفضيل، قالوا : لأنه في قوة عاملين، فإنّ قوة قولك زيدٌ أفضلُ مِنْ عَمْرو، معناه : يزيد فضله على فضل عمرو.
وقال أبو البقاء :" وجاز أن يعمل " أقرب " فيهما ؛ لأنهما يشبهان الظرف، وكما عمل " أطيب " في قولهم : هذا بسراً أطيب منه رُطباً، في الظرفين المقدرين لأن " أفعل " يدل على معنيين - على أصل الفعلِ وزيادتهِ - فيعمل في كل واحد منهما بمعنى غير الأخر، فتقديره : يزيد قُرْبهم إلى الكفر على قربهم إلى الإيمان ".
ولا حاجة إلى تشبيه الجارين بالظرفين ؛ لأن ظاهره أن المسوغ لتعلقهما بعامل واحد تشبيههما بالظرفين وليس كذلك، وقوله : الظرفين المقدَّرين، يعني أن المعنى : هذا في أوانِ بُسْرَيته أطيب منه.
و" أقرب " - هنا - من القُرْب - الذي هو ضد البعدِ - ويتعدى بثلاثة حروف : اللام، و" إلى " و" من ". تقول : قربت لك ومنك إليك، فإذا قلت : زيد أقرب من العلم من عمرو، ف " من " الولى المعدية لأصل معنى القرب، والثانية هي الجارة للمفضول، وإذا تقرر هذا فلا حاجة إلى ادعاء أن اللام بمعنى " إلى ".
و" يومئذ " متعلق بـ " أقرب " ومذا " منهم " و" من " هذه هي الجارةُ للمفضول بعد " أفعل " وليست هي المعدية لأصل الفعل.
و" إذ " مضافةٌ لجملةٍ محذوفةٍ، عُوِّضَ منها التنوين، وتقدير هذه الجملة : هم للكفر يوم إذ قالوا : لو نَعْلَم قتالاً لاتبعناكم.
وقيل : المعنى على حذف مضاف، أي : هم لأهل الكفر أقرب منهم لأهل الإيمان، وفُضِّلُوا - هنا - على أنفسهم باعتبار حالين ووقتين، ولولا ذلك لم يَجُزْ، تقول : زيدٌ قاعداً أفضل منه قائماً، أو زيد قاعداً اليوم أفضل منه قاعداً غداً. ولو قلت : زيد اليوم قاعداً أفضل منه اليوم قاعداً. لم يَجُزْ.


الصفحة التالية
Icon