فإذن : هنا قطع للشكر، فإن قطعت حاجة محتاج فهذا يسمى " نعمة " وإن فخرت بنعمتك عليه حتى كدرتها فقد قطعت ومنعت شكره لك، وهذا يسمى " مَنَّا " أي أذى لأنه يؤذي مشاعر وإحساس الآخذ. وإن قطعت مطلقا اختصت باسم " المنَّة "، يقولون : فلان لا مُنة فيه أي لا قوة عنده تقطع في الأمور، وهنا يقول :﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ﴾ و " منَّ " هنا بمعنى أعطى نعمة، والنعمة في الدنيا تعطيك على قدر دنياك، و " منة " الله برسوله ﷺ تعطيني عطاء على قدر الدنيا وعلى امتداد الآخرة، فتكون هذه منة كبيرة.
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِين إِذَْ ﴾، و ﴿ إِذْ ﴾ يعني ساعة أي حين بعث فيهم رسولا منهم فقد عمل فيهم منة وقدم لهم ومنحهم جميلا كبيرا وأنعم عليهم نعمة، ﴿ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً ﴾. فإذا كان مطلق بعث رسول كي يهدي الناس إلى منهج الله يكون نعمة فماذا إذا كان الرسول من أنفسهم ؟ إن هذه تكون نعمة أخرى لأنه ما دام من أنفسهم ؟ إن هذه تكون نعمة أخرى لأنه مادام من أنفسهم ومن رهطهم ومن جماعتهم، هو معروف نسباً وحسباً ومعروف أمانة، فلا يخون، ومعروف صِدقاً فلا يكذب، كل هذه " مِنة " ولم يتعب أحداً في أن يبحث وراءه : أكذب قبل ذلك حتى نعتبر ذلك كذبا ؟ أخان قبل ذلك حتى نعتبر ذلك خيانة ؟ لا. هل هو من الناس المدعين الذين يريدون أن يقيموا ضوضاء من حولهم ؟ لا. بل هو في الحسب والنسب معروف، جده عبد المطلب سيد البطحاء ولا يوجد واحد من أهله تافها.