إذن فقوله :﴿ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي معروف لهم، فلم يأت لهم بواحد سقط عليهم من السماء، وقال : هذا رسول، لا. إنه رسول ﴿ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾، وهذه أول مِنّة، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾، هذا إذا أخذت المحيط القريب أنه من الرهط ومن القبيلة ومعروف لهم، ﴿ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أو من جنس ونوع العرب، وهذه أيضاً مِنّة، فساعة أن يتكلم سيفهمونه ولا يحتاجون إلى وساطة أو ترجمة، والرسول عندما يأتي ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، يريد أُناسا تفهم عنه، فأوضح لهم : لم أكلفكم لتقولوا ماذا يريد، لا، هو من أنفسكم، وهو إنسان له مواصفاتكم، ولكنهم لفرط عنادهم لم يؤمنوا مصداق ذلك قوله تعالى :
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً ﴾
[الإسراء : ٩٤]
إنهم يستكثرون كيف يبعث الله بشراً ويجعله رسولاً، وهذا غباء في الاعتراض، ويأتي الرد الجميل من الله.
﴿ قُل لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً ﴾
[الإسراء : ٩٥]
أنتم من البشر، فلا بد أن نأتيكم برسول من جنسكم، حتى إذا قال لكم : افعلوا كذا تقولون : نعم ؟ لأنه بشر ويعمل ونحن بشر نستطيع أن نعمل مثله.. لكنه لو كان مَلَكاًَ لقال الواحد منكم : وهل أنا أقدر أن أكون كالَمَلك ؟ إذن فلا تنفع هذه الحكاية، وهكذا منّ الله على المؤمنين. إذ بعث فيهم رسولا. ﴿ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾، إن أخذتها على أساس أنها قبيلة محدودة ومعروفة فهي منة، وإن أخذتها على أنه من جنس عربي فيكون اللسان واحداً فهي مِنّة، وإن أخذتها من الجنس العام وهو الإنسان فهي مِنّة أيضاً.


الصفحة التالية
Icon