" فصل فى أقوال العلماء والزهاد في الرجاء "
قال ابن عبد ربه :
قال العلماء : لا تشهد على أحد من أهل القِبْلة بجنة ولا بنار، يُرْجَى للمُحْسن ويُخاف عليه، ويخاف عليه المُسيء ويُرْجَى له. وفي الحديث المرفوع : إنّ الله يَغْفر ولا يُعيِّر، والناسُ يعيَرون ولا يَغْفرون. وفي حديث آخر : لا تُكَفِّروا أهلِ الذنوب.
وتُوفِّي رجلٌ في عهد رسول الله ﷺ، وكان مُسرفاً على نفسه، فرَفع برأسه وهو يجود بِنَفْسِه، فإذَا أبواه يَبْكِيَان عند رأسه، فقال : ما يًبْكِيكما ؟ قالا : نَبْكي لإسرافك على نفسك ؛ قال : لا تَبْكيا، فواللّه ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله منٍ أمريٍ بأيديكما، ثم مات. فأتى جبريلُ عليه الصلاة والسلام النبي ﷺ، فأخبره أن فتى تُوُفَي اليومَ فأَشهَده بأنه من أهل الجنة. فسأل رسولُ اللهّ ﷺ أبويه عن عَمله، فقالا : ما عَلِمنا عنده شيئاً من خَيْر إلا أنه قال لنا عند الموت كذا وكذا ؟ فقال رسول الله ﷺ : مِنِ ها هنا أُوتي، إنّ حُسن الظنّ باللّه من أفضل العَمل عنده. وتُوفِّي رجل بجوِار ابن ذرّ وكان مُسرفاً على نفسه، فتحامَى الناسُ من جنازته، وبلغ ذلك عُمَرَ بن ذرّ، فأوصى أهلَه : إذا جهَزتموه فآذِنُوني، ففعلوا، فَشَهِدَه والناسُ معه، فلما أُدْلِيَ وَقَف على قبره فقال : رَحمك الله أبا فُلان، فلقد صَحِبْتَ عُمْرَك بالتَّوحيد، وعَفَّرْت وَجهك للهّ بالسجود، فإنْ قالوا مُذْنِب وذو خَطايا، فمن مِنَّا غيرُ مُذْنب و " غير " ذي خطايا ؟ " وتمثّلَ معاوية عند الموت بهذا البيت :
هُو الموتُ لا مَنْجَى من الموت والذي | نُحاذِر بعد الموت أَنْكَى وأَفْظَعُ |