فصل
قال الفخر :
قال صاحب "الكشاف" :﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ﴾ الخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل أحد وقرىء بالياء، وفيه وجوه :
أحدها : ولا يحسبن رسول الله.
والثاني : ولا يحسبن حاسب، والثالث : ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً قال : وقرىء ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ بفتح السين، وقرأ ابن عامر ﴿قُتِلُواْ﴾ بالتشديد والباقون بالتخفيف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٧٦﴾
فصل
قال القرطبى :
إذا كان الشَّهيد حيّاً حُكماً فلا يصلى عليه، كالحيّ حِسّاً.
وقد اختلف العلماء في غُسل الشهداء والصّلاة عليهم ؛ فذهب مالك والشافعيّ وأبو حنيفة والثّوْريّ إلى غُسل جميع الشّهداء والصَّلاة عليهم ؛ إلاَّ قتيلَ المُعتَرك في قتال العدوّ خاصة ؛ لحديث جابر قال قال النبيّ ﷺ :" "ادفنوهم بدمائهم" يعني يوم أُحُد ولم يُغسِّلهم "، رواه البخاريّ.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال :" أمر رسول الله ﷺ بقتلى أُحُد أن يُنزَع عنهم الحديدُ والجلودُ وأن يُدفَنُوا بِدمائهم وثيابهم " وبهذا قال أحمدُ وإسحاقُ والأوزاعيّ وداود بن عليّ وجماعةُ فُقَهاء الأمصار وأهل الحديث وابنُ عُلَيَّة.
وقال سعيد بن المُسَيّب والحَسَن : يُغسّلون.
قال أحدهما : إنما لن تُغَسِّل شهداء أُحُد لكثرتهم والشُّغل عن ذلك.
قال أبو عُمَر : ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحد من فقهاء الأمصار إلاَّ عبيد الله بن الحسن العَنْبَري، وليس ما ذكروا من الشُّغل عن غُسل شهداء أُحُد علّة ؛ لأن كل واحد منهم كان له وليٌّ يشتَغل به ويقوم بأمره.
والعلّة في ذلك والله أعلم.
ما جاء في الحديث في دمائهم " أنها تأتي يوم القيامة كريح الْمِسك " فَبَانَ أن العلّة ليست الشُّغل كما قال من قال في ذلك، وليس لهذه المسألة مدخل في القياس والنظر، وإنما هي مسألة اتباع للأثر الذي نقله الكافّة في قتلى أُحُد لم يُغسّلوا.
وقد احتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذهب الحسن.
بقوله عليه السَّلام في شهداء أُحُد :" أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " قال : وهذا يدل على خصوصهم وأنه لا يَشْرَكهم في ذلك غيرهم.
قال أبو عمر : وهذا يشبه الشذوذ، والقول بترك غُسلهم أولى ؛ لثبوت ذلك عن النبيّ ﷺ في قَتلى أُحُد وغيرهم.