فصل


قال القرطبى :
لمّا بيّن الله تعالى أنّ ما جرى يوم أُحُد كان امتحانا يُميّز المنافق من الصَّادق، بيّن أن من لم ينْهَزِم فقُتل له الكرامةُ والحياةُ عنده.
والآية في شُهَداء أُحُد.
وقيل : نزلت في شهداء بئر مَعُونة.
وقيل : بل هي عامّة في جميع الشهداء.
وفي مصنف أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ :" "لمّا أُصيب إخوانكم بأُحُد جعل الله أرواحهم في جَوْف طَير خضر تَرِد أنهار الجنة تأكُل من ثمارها وتأوِي إلى قناديلَ من ذهب معلَّقةٍ في ظِلّ العَرْش فلما وجدوا طِيب مأْكَلِهم ومَشْرَبهم ومَقِيلهم قالوا مَن يُبلِّغ إخوانَنَا عنّا أنّا أحياءٌ في الجنة نُرْزَق لئلا يَزْهَدوا في الجهاد ولا يَنْكُلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم عنكم" قال فأنزل الله ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً ﴾ إلى آخر الآيات " وروى بقِيّ بن مَخْلَد " عن جابر قال : لقِيني رسول الله ﷺ فقال :"يا جابر ما لي أراك مُنَكِّساً مُهْتَمّاً" ؟ قلت : يا رسول الله، اسْتُشْهِد أبِي وترك عِيالاً وعليه دَيْنٌ ؛ فقال :"ألاَ أُبَشِّرك بما لقي اللَّهُ عزّ وجلّ به أباك" ؟ قلت : بلى يا رسول الله.
قال :"إن الله أحْيَا أباك وكلمه كِفاحاً وما كلّم أحد قطُّ إلاَّ من وراء حجاب فقال له يا عبدي تَمنّ أُعْطِك قال يا رب فرُدّني إلى الدنيا فأُقْتَل فيك ثانيةً فقال الربّ تبارك وتعالى إنه قد سبق مِني أنهم ( إليها ) لا يرجعون قال يا ربّ فأبلغ مَن ورائي" فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله ﴾ الآية " أخرجه ابن ماجه في سُنَنه، والتَّرمذِيّ في جامعه وقال : هذا حديث حسن غرِيب.


الصفحة التالية
Icon