ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ " لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في مِنِخَرىْ رجلٍ مُسلمٍ أبداً ولا يجتمع شحُّ وإيمانٌ في قلب رجل مسلم أبداً " وهذا يدل على أن الشُّحَ أشدّ في الذم من البخل ؛ إلا أنه قد جاء ما يدل على مساواتهما وهو قوله وقد سئل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال :"لا" وذكر المارودي في كتاب "أدب الدنيا والدين" أن النبي ﷺ قال للأنصار :"من سيدّكم" قالوا : الجدّ بن قيس على بُخْل فيه ؛ الحديث. وقد تقدم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢٩٣﴾
قوله تعالى ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة﴾

فصل


قال الفخر :
في تفسير هذا الوعيد وجوه :
الأول : أن يحمل هذا على ظاهره وهو أنه تعالى يطوقهم بطوق يكون سببا لعذابهم.
قيل : إنه تعالى يصير تلك الأموال في أعناقهم حياة تكون لهم كالأطواق تلتوي في أعناقهم، ويجوز أيضا أن تلتوي تلك الحيات في سائر أبدانهم، فأما ما يصير من ذلك في أعناقهم فعلى جهة أنهم كانوا التزموا أداء الزكاة ثم امتنعوا عنها، وأما ما يلتوي منها في سائر أبدانهم فعلى جهة أنهم كانوا يضمون تلك الأموال إلى أنفسهم، فعوضوا منها بأن جعلت حيات التوت عليهم كأنهم قد التزموها وضموها إلى أنفسهم.
ويمكن أن يكون الطوق طوقا من نار يجعل في أعناقهم، ونظيره قوله تعالى :﴿يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ [ التوبة : ٣٥ ] وعن ابن عباس رضي الله عنهما : تجعل تلك الزكاة الممنوعة في عنقهم كهيئة الطوق شجاعا ذا زبيبتين يلدغ بهما خديه ويقول : أنا الزكاة التي بخلت في الدنيا بي.


الصفحة التالية
Icon