واعلم أنه تعالى لم يقل : قد جاءكم رسل من قبلي بالذي قلتم، بل قال :﴿قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بالبينات وبالذى قُلْتُمْ﴾ والفائدة : أن القوم قالوا : إن الله تعالى وقف التصديق بالنبوة على ظهور القربان الذي تأكله النار، فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم : إن الأنبياء المتقدمين أتوا بهذا القربان، لم يلزم من هذا القدر وجوب الاعتراف بنبوتهم، لاحتمال أن الإتيان بهذا القربان شرط للنبوة لا موجب لها، والشرط هو الذي يلزم عند عدمه عدم المشروط، لكن لا يلزم عند وجوده وجود المشروط، فثبت أنه لو اكتفى بهذا القدر لما كان الإلزام واردا، أما لما قال :﴿قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بالبينات وبالذى قُلْتُمْ﴾ كان الإلزام واردا، لأنهم لما أتوا بالبينات فقد أتوا بالموجب للتصديق، ولما أتوا بهذا القربان فقد أتوا بالشرط، وعند الإتيان بهما كان الإقرار بالنبوة واجبا، فثبت أنه لولا قوله :﴿جَاءكُمْ...
بالبينات﴾
لم يكن الإلزام واردا على القوم، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٠٠﴾
من فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
أبدل ﴿ الذين قالوا إن الله عهد ﴾ من ﴿ الذين قالوا إن الله فقير ﴾ [ آل عمران : ١٨١ ] لذكر قولة أخرى شنيعة منهم، وهي كذبهم على الله في أنّه عهد إليهم على ألسنة أنبيائهم أنّ لا يؤمنوا لرسول حتّى يأتيهم بقربان، أي حتّى يذبح قرباناً فتأكله نار تنزل من السماء، فتلك علامة القبول، وقد كان هذا حصل في زمن موسى عليه السلام حين ذُبح أوّل قربان على النحو الذي شَرعه الله لبني إسرائيل فخرجت نار من عند الرّب فأحرقتْه.
كما في سفر اللاويين.
إلاّ أنه معجزة لا تطّرد لسائر الأنبياء كما زعمه اليهود لأنّ معجزات الرسل تجيء على ما يناسب تصديق الأمّة.


الصفحة التالية
Icon