موعظة
قال الإمام ابن عطية ـ رحمه الله ـ :
إن الموت أمر كبار لمن أنجد وأغار وكأس تدار فيمن أقام أو سار وباب تسوقك إليه يد الأقدار ويزعجك فيه حكم الاضطرار ويخرج بك إما إلى الجنة وإما إلى النار
خبر - علم الله - يصم الأسماع ويغير الطباع ويكثر من الآلام والأوجاع
واعلموا أنه لو لم يكن في الموت إلا الإعدام وانحلال الأجسام ونسيانك أخرى الليالي والأيام لكان والله لأهل اللذات مكدرا ولأصحاب النعيم مغيرا ولأرباب العقول عن الرغبة في هذه الدار زاجرا ومنفرا كما قال مطرف بن عبد الله بن الشخير
إن هذا الموت نغص على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه فكيف ووراءه يوم يعدم فيه الجواب وتدهش فيه الألباب وتفنى في شرحه الأقلام والكتاب ويترك النظر فيه والاهتمام به الأولياء والأحباب
واعلموا رحمكم الله أن الناس في ذكر الموت على ضروب فمنهم المنهمك في لذاته المثابر على شهواته المضيع فيها مالا يرجع من أوقاته لا يخطر الموت له على بال ولا يحدث نفسه بزوال قد أطرح أخراه واكب على دنياه واتخذ إلهه هواه فأصمه ذلك وأعماه وأهلكه وأرداه
فإن ذكر له الموت نفر وشرد وإن وعظ أنف وبعد وقام في أمره الأول وقعد قد حاد عن سواء نهجه ونكب عن طريق فلجه وأقبل على بطنه وفرجه تبت يداه وخاب مسعاه وكأنه لم يسمع قول الله عز وجل ( كل نفس ذائقة الموت ) ولا سمع قول القائل فيه وفي أمثاله حيث قال
( يا راكب الروع للذاته... كأنه في أتن عير )
( وآكلا كل الذي يشتهي... كأنه في كلأ ثور )
( وناهضا إن يدع داعي الهوى... كأنه من خفة طير )
( وكل ما يسمع أو ما يرى... كأنما يعنى به الغير )
( إن كؤوس الموت بين الورى... دائرة قد حثها السير )
( وقد تيقنت وإن أبطأت... أن سوف يأتيك بها الدور )


الصفحة التالية
Icon