ولما كان يومها يوم بلاء وتمحيص، وكان ربما أطمع في العافية بعده، فتوطنت النفس على ذلك فاشتد انزعاجها بما يأتي من أمثاله، وليس ذلك من أخلاق المشمرين أراد سبحانه وتعالى توطين النفوس على ما طبعت عليه الدار من الأثقال والآصار، فأخبر أن البلاء لم ينقص به، بل لا بد بعده من بلايا وسماع أذى من سائر الكفار، ورغب في شعار المتقين : الصبر الذي قدمه في أول السورة ثم قبل قصة أحد، وبناها عليه معلماً أنه مما يستحق أن يعزم عليه ولا يتردد فيه فقال :﴿ولتسمعن﴾ أي بعد هذا اليوم ﴿من الذين﴾ ولما كان المراد تسوية العالم بالجاهل في الذم نزه المعلم عن الذكر فبنى للمفعول قوله :﴿أوتوا الكتاب﴾ ولما كان إيتاؤهم له لم يستغرق الزمن الماضي أدخل الجار فقال :﴿من قبلكم﴾ أي من اليهود والنصارى ﴿ومن الذين أشركوا﴾ أي من الأميين ﴿أذى كثيراً﴾ أي من الطعن في الدين وغيره بسبب هذه الوقعة أو غيرها ﴿وإن تصبروا﴾ أي تتخلقوا بالصبر على ذلك وغيره ﴿وتتقوا﴾ أي وتجعلوا بينكم وبين ما يسخط الله سبحانه وتعالى وقاية بأن تغضوا عن كثير من أجوبتهم اعتماداً على ردهم بالسيوف وإنزال الحتوف ﴿فإن ذلك﴾ أي الأمر العالي الرتبة ﴿من عزم الأمور﴾ أي الأشياء التي هي أهل لأن يعزم على فعلها، ولا يتردد فيه، ولا يعوق عنه عائق، فقد ختمت قصة أحد بمثل ما سبقت دليلاً عليه من قوله :﴿قد بدت البغضاء من أفواههم﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] إلى أن ختم بقوله :﴿وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ] ما أخبر به هنا بأنه من عزم الأمور. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٩٣ ـ ١٩٤﴾


الصفحة التالية
Icon