فصل
قال الفخر :
اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق، فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والإلهية والكبرياء والجلال، فذكر هذه الآية.
قال ابن عمر : قلت لعائشة : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله ﷺ، فبكت وأطالت ثم قالت : كل أمره عجب، أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي، ثم قال لي : يا عائشة هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي، فقلت : يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب مرادك قد أذنت لك.
فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء، ثم قام يصلي، فقرأ من القرآن وجعل يبكي، ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي، فقال له : يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال :" يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا "، ثم قال :" ما لي لا أبكي وقد أنزل الله في هذه الليلة :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض﴾ " ثم قال :" ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " وروي : ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها.
وعن علي رضي الله عنه : أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل يتسوك ثم ينظر إلى السماء ويقول : إن في خلق السموات والأرض.
وحكى أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة.
فعبدها فتى من فتيانهم فما أظلته السحابة، فقالت له أمه : لعل فرطة صدرت منك في مدتك، قال : ما أذكر، قالت : لعلك نظرة مرة إلى السماء ولم تعتبر قال نعم، قالت : فما أتيت إلا من ذلك.